هذا الكتاب

  البحث حول مسائل الخلاف بين الشيعة والسنة هو سمة لكل عصر من عصور الثقافة الإسلامية ، ولا شك بحسنه إن بقي على مستوى البحث العلمي الحر ، ولكنه في كثير من الأحيان كان ينحى منحىً خطراً بل مدمراً ، عندما تنشب العصبيّة أظفارها ، لذا كما ندرك ضرورة البحث العلمي في هذه الأمور يجب أن نعرف ضرورة ألا ينجرّ البحث إلى أي نوعٍ من الصراع ، بل حتى إلى الغلّ بين فئات المجتمع الإسلامي الواحد ، والمحوران السابقان بينهما تجاذب وتضاد وليست الموازنة بينهما أمرا سهلا.

  والمشكلة الأساسية تبرز من المنطلقات الخاطئة في فهم معايير الكفر والإسلام ، فهي الوحش الذي يفتك بالمجتمع الإسلامي ، وهي الوسواس الذي يوسوس في صدور الناس ومعها يضيع صوت العقل والعلم .

  ونحن ننطلق لمعالجة الأمور التي طرحت على بساط البحث من المنطلقين السابقين ، ولا نعتقد أن البحث مكرر خصوصا مع وجود سمات بارزة لكل مرحلة .

  فالبحث في أمور الخلاف كان له منحى وسمات في القرن الأول الهجري والسنوات التي سبقت كتابة الحديث الشريف وتدوينه ، وأخذت صورة جديدة مع كتابة الحديث الشريف ، كما أنها أخذت صورتها المميزة مع انتشار البحث الكلامي بين علماء الإسلام ، وإن لم تكـن كذلك في مراحل سابقة ، وأصابها الركود في فترات تاريخية معينة .

  وقد أعطاها البحث بين العلاّمة الحلي وابن تيمية سمة مميزة ، وكذلك البحث بين الدهلوي والسيد مير حامد حسين اللكنهوي صاحب موسوعة ( عبقات الأنوار ) أعطاها سمتها الحديثيّة الخاصة ، وكذا الجهد الموسوعي الذي قام به العلامة التستري في كتابه          ( إحقاق الحق ) ، وكان للجهود العلمية التي بذلها كل من العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني والعلامة السيـد عبد الحسين شرف الدين أكبر الأثر في إبراز صلابة العود الشيعي في مجال البحث العلمي والاستدلال ، وهكذا سار على خطاهم علماء آخرون أثْروا البحث في هذه المجالات وأعطوها أبعادا وسمات جديدة سيكون لها الدور في توضيح الحقيقة التي ينشدها كل مسلم ألا وهي الشريعة التي أنزلت على رسول الله B، خالية من أي تغيير وتحريف .

 وسيثمّن هذه الجهود ويقدّرها كل من سيجد أنه وضع قدمه في طريق معرفة الحقيقة ، و سيُكبر التاريخ في هؤلاء العلماء الأدب والبعد عن البذاءة والتكفير .

  وأما على مستوى الجهود التي بذلها علماء أهل السنة ( مدرسة  الخلفاء ) ، فقد كان لابن تيمية والدهلوي بصماتهما الخاصة ، وأصبح لها سمة مميّزة في العصر الحديث مع الجهود التي بذلها إحسان إلهي ظهير الباكستاني ومدرسته التي انتشرت في الجزيرة العربية ، وكان لانتشار الطبعات الحديثة لمصادر الشيعة والسنة دور أساس في تلك التطورات ، ولكن الذي يؤسف له على مستوى البحوث الأخيرة بروز الشتائم وسوء الأدب في كثير من الأحيان بل تجد التكفير الصريح في بعض الموارد .

  وهذا الكتاب الذي بين يديك ينطلق من متابعة للكتابات المتأخرة التي قام بها بعض كتّاب الاتجاه السلفي في التصدي لعقائد الشيعة والتهجم عليهم ، وهي في النهاية رزيّة حدثت في التاريخ وهذه    إمداداتها ، وأرجو أن أكون قد وفّقت لمعالجة ومناقشة ما طرح بصورة هادئة بعيدة عن التشنّجات التي تبدو في كتاباتهم .

  وإذ لم أشر في هذه المداولات إلى كتاب وكاتب باسمه لأن المهم هو محاور البحث المبينة في المتن ونجنب بذلك البحث عن الأبعاد الشخصية قدر الإمكان .

  نسأل الله عزّ وجلّ أن يعصمنا من الزلل ويأخذ بأيدينا لما فيه صلاح الأمة وخيرها ويوفقنا للتمسك بحبل الله وعروة الإسلام الصحيح راجين السداد منه عز وجل منتهجين البحث العلمي كسبيل لاكتشافه ، ونسأله أن يدفع الفتن عنا وأن يرفع الشّقاق والنزّاع من بيننا ، إنه سميع مجيب .