9 –تربة الحسين d
قال : " رسول الله
B وعلي والحسن أفضل من
الحسين عند السنة والشيعة ومع هذا لا يعظم ترابهم عند الشيعة كما يعظم تراب الحسين " .
نقول
: عظمة الحسين d من عظمة جده النبي B الذي قال فيه :
"حسين مني وأنا من حسين " رواه الترمذي وحسنه (1) ،
وإنما اكتسب الحسين d العظمة لقول رسول الله B فيه هذه الكلمة ونسبه
إلى ذاته الشريفة ، فلا تنظر الشيعة إلى عظمته d كشيء منفصل يضاهي عظمة
رسول الله B فهم يروون عن الباقر u مخاطبا جابر : "
أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر " (2) ،
فهو أعظم المخلوقات وأشرفها وأطهرها ألا يكفي أنه الوحيد الذي استحق أن يكون قاب
قوسين أو أدنى من الذات الإلهية المقدسة ؟
فمن المُسلّم
إذن أن لا شيء يضاهي روح رسول الله ، وتعظيمه إنما هو فوق تعظيم جميع البشر بلا
استثناء .
وأما ما
ورد من السجود على التربة الحسينية وتعظيمها والاستشفاء بها دون غيرها فهو أمر
شرعي يتعبد به الشيعة ، بناءا على روايات صحيحة في الفقه الجعفري نقلها الإمام
المعصوم d ، والاستدلال بها يعتمد على تثبيت مباحث الإمامة
أولا ،كما ستبحث بعض جوانبها في بحوث قادمة بإذن الله .
هذا فضلا عن أنك تجد ذكرا واسعا لتربة الحسين d في الروايات الصحيحة
الواردة في مصادر السنة ، فقد روى أبو يعلى في مسنده " عن نجي أنه سار مع علي
وكان صاحب مطهرته فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي : اصبر أبا عبد
الله اصبر أبا عبد الله بشط الفرات قلت : وما ذا أبا عبد الله ؟ قال : دخلت على
النبي B ذات يوم وعيناه تفيضان قال : قلت : يا نبي الله
أغضبك أحد ؟ ما شأن عيناك تفيضان ؟ قال : " بل قام من عندي جبريل قبل فحدثني
أن الحسين يقتل بشط الفرات " ، قال : فقال : " هل لك إلى أن أشمك من
تربته ؟ " قال : قلت : نعم فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك
عيني أن فاضتا " .
قال محقق الكتاب حسين سليم : " إسناده حسن
" (1) .
وقال الهيثمي في ( مجمع الزائد ) معلقا على
الرواية : " رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ورجاله ثقات ولم ينفرد
نجي بهذا " (2) .
وروى الطبراني في ( المعجم الكبير ) عن أم سلمة
قالت : كان رسول الله B جالسا ذات يوم في بيتي فقال : " لا يدخل علي أحد فانتظرت فدخل
الحسين k فسمعت نشيج رسول الله B يبكي فاطلعت فإذا حسين
في حجره ، والنـبي B يمسح جبينه وهو يبكي
فقلت : والله ما علمت حين دخل ، فقال : إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت
قال : تحبه ؟ قلت : أما من الدنيا فنعم ، قال : إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها
كربلاء ، فتناول جبريل عليه السلام من تربتها ، فأراها النبي B … " (1) ،
قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) معلقا على سند الرواية : " رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها ثقات
" (2) .
وروى الحاكم في ( المستدرك ) عن أم الفضل بنت
الحارث أنها دخلت على رسول الله B فقالت : يا رسول الله
إني رأيت حلما منكرا الليلة قال : ما هو ؟ قالت : إنه شديد ، قال : ما هو ؟ قالت :
رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري
، فقال رسول الله B : رأيت خيرا تلد فاطمة
إن شاء الله غلاما فيكون في حجرك ، فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري كما قال رسول
الله B فدخلت يوما إلى رسول الله B فوضعته في حجره ثم حانت
مني التفاتة فإذا عينا رسول الله تهريقان من الدموع قالت : فقلت يا نبي الله بأبي
وأمي مالك ؟ قال : " أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبرني أن أمتي ستقتل
ابني هذا ، فقلت : هذا ! فقال : نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء " (3) .
فهل ترى هذا التركيز في الحديث عن تربة الحسين d في الروايات السابقة أمر
اعتباطي لا قيمة له ، مع أن مثل هذا لم يذكر مع كثيرين تنبأ رسول الله B باستشهادهم .
ثم قال : " إن من
اعتقادات الشيعة أن تربة الحسين هي الكفيلة لشفاء الدواء والأسقام بشتى أنواعها
وأشكالها ... مخالفين بذلك قول الله : ] وَإِنْ
يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هو [وقوله : ] وَإِذَا
مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين [، فهم
باعتقادهم بهذا التراب الدواء والشفاء قد شابهوا المشركين في اعتقادهم بأحجارهم
النفع والضر " .
نقول : لا يمكننا أن نعرف كيف يمكن لإنسان
مسلم يؤمن بأن الجناح الثاني للذبابة فيها دواء كما في رواية البخاري كتاب بدء
الخلق باب إذا وقع الذباب (1) ، وبأن العسل شفاء من الأمراض كما
نص على ذلك الكتاب الكريم ، وأن الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين كما روى البخاري
عن رسول الله B في كتاب التفسير (2) ، ثم يتهم من يؤمن بأن تربة
الإمام الحسين d شفاء من الأمراض بناءا
على النص الشرعي الثابت لديه بأن فعله مخالف لقوله تعالى ] وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُو [ (3) ، فهل الاعتقاد بأن العسل فيه الشفاء ينافي الآية ؟
وهل الذي يعتبر الكمأة من المن وماؤها شفاء
للعين أو قام بغمس الذبابة في شرابه ثم نزعها بقصد تحصيل الشفاء بجناحها الآخر كما
في رواية أبي هريرة مخالف لقوله تعالى ] وَإِذَا مَرِضْتُ
فَهُوَ يَشْفِينِ[ (4) ؟! وهل يتهم بالشرك ؟
أو هل المستعين بأدوية
الأطباء يخالف هذا الأساس ؟! وكيف يمكن أن يشابه الشيعة المشركين بالاستشفاء بتربة
الإمام الحسين d ولا يشبههم من يستشفي
بالعسل أو بالكمأة أو بالحبة السوداء وغير ذلك ؟!
وإذا قلنا أن الفارق هو النص الصحيح المأثور عن
رسول الله B بإسناد صحيح ، فلاشك أن الشيعة يعتمدون في ذلك
على روايات صحيحة منتهية إلى رسول الله B ، وهذا مبحث آخر حول دراسة روايات الشيعة
واعتبارها ولا علاقة له بالشرك والتكفير .