7  الشيعة وتحريف القرآن

 

  قال : " نقل غير واحد من العلماء- أي علماء الشيعة- إجماع الشيعة الإثني عشرية على أن القرآن محرف " .

  ثم أورد أربعة أقوال استدل بها على إجماع علماء الشيعة على القول بتحريف القرآن .

 

  نقول : أما الأول والثاني وهما الفتوني والبحراني فهم من الإخباريين الذين يقول بعضهم بنقص القرآن ، ولكن لا بمعنى أن شيئا من الموجود بين الدفتين ليس من القرآن أو أنه ليس حجة علينا حتى مع ضميمة تفسير الأئمة g ، وهـي من الزلات الكبيرة التي وقع فيها جمع من الإخباريين ، وخطّأهم أصوليو الشيعة بصورة متعددة ومتكررة ، ومع أنهما تلفظا بكلمتي الضرورة والإجماع ولكن بإطلاق متسامح فيه تناقضت معه عبارتهما ، فضلا عن التقطيع الذي مارسه الناقل لعبارتيهما كي يزين الأمر للقارئ أكثر .

  وأما الثالث أي الكوفي فهو من غلاة الشيعة المذمومين فضلا عن أن عبارته لا تدل على ما يريد الكاتب إثباته من مقولة إجماع الشيعة على القول بالتحريف ، وأما الرابع أي الشيخ المفيد s فقد أشار في عبارته إلى وجود الروايات لا إلى متبناه في الأمر ، وإليك التفصيل .

 

1. أبو الحسن الفتوني ، الذي قال : " ويمكن القول بكونه من ضروريات المذهب " .

  استدل بكلام الفتوني على إجماع الشيعة على القول بالتحريف رغم أن كلمة     " يمكن " التي سبقت هذا الحكم في قوله : " يمكن القول بكونه من ضروريات مذهب التشيع " تفيد التردد وعدم اليقين .

  ويدل على ذلك أكثر ما قاله الفتوني في السطر التالي مباشرة : " توهم الشيخ الصدوق في هذا المقام حيث قال في كتاب ( الاعتقادات ) : أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه B هو ما بين الدفتين وما في أيدي الناس ليس أكثر من ذلك ومن نسب إلينا أنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب " .

 ثم انتقد الفتوني إنكار السيد المرتضى والشيخ الطوسي والطبرسي صاحب مجمع البيان للقول بنقص القرآن ، فهل يبقى بعد أقوال هؤلاء وجه للقطع بإجماع الطائفة على القول بالتحريف في عبارة الفتوني ؟ أليس من الواضح أن الفتوني تساهل في مقولة ضروريات المذهب (1) .

    

2. عدنان البحراني ، حيث قال : " القول بالتحريف والتغيير من المسلمات وهو إجماع الفرقة المحقة وكونه من ضروريات مذهبهم " .

  العبارة المذكورة من كتابه " مشارق الشموس الدرية في أحقية مذهب الإخبارية " وقد نقلت بشكل مبتور ، فبعد ذكره لروايات الفريقين من السنة والشيعة حول تحريف القرآن قال البحراني :

" إلى غير ذلك من الأخبار التي لا تحصى كثرة وتجاوزت حد التواتر ولا في نقلها كثير فائدة بعد شيوع القول بالتحريف والتغيير بين الفريقين ، وكونه من المسلمات عند الصحابة والتابعين بل وإجماع الفرقة المحقة وكونه من ضروريات مذهبهم " (1) .

  والناقل حذف جملة " عند الصحابة والتابعين " التي توضح للقارئ أن عدنان البحراني الذي أخطأ في فهم رأي الصحابة والتابعين ، وعليه لا يمكن الاعتماد عليه في نقله لإجماع الشيعة حول هذا الأمر أيضا ، فحذف الجملة يفيد الناقل في الحفاظ على صورة معقولة لعدنان البحراني عند القارئ .

 والظاهر أن عبارة البحراني في قوله " الفرقة المحقة والمذهب " يقصد خصوص الأخبارية ، بدليل أنه في الصفحة التالية يرد على المخالفين لرأيه - وهم كبار علماء الشيعة - بقوله : " فما عن المرتضى والصدوق والشيخ من إنكار ذلك فاسد " .

  فتبين أن القول بأنه إجماع الفرقة المحقة - إن قصد بهم عموم الشيعة - تساهل وعدم دقة من البحراني في استعمال الكلمة ، بل هو أقرب للتناقض من كاتب واحد مع عدم وجود فصل كبير بين العبارتين ، وللأسف تكرر من الإخباريين مثل هذا التساهل .

 

3. أبو القاسم الكوفي ، وعبارته التي نقلها قوله : " أجمع أهل النقل والآثار من الخاص والعام أن هذا الذي في أيدي الناس من القرآن ليس هذا القرآن كله " .

لاحظ أنه يقصد بأهل الآثار من العام محدثي السنة ومع ملاحظة أن علماء السنة كلهم يعتقدون بنسخ التلاوة ، ووجود بعض الروايات في مصادر السنة والشيعة التي يظهر منها وجود نقص في القرآن ألا يتضح المقصود من مقولته " أجمع أهل النقل والآثار من الخاص والعام أن الذي بأيدي الناس ليس القرآن كله " (1) ، فكأنه لتخيله أن علماء الحديث والآثار يعتقدون بصحة كل الروايات التي يروونها اعتقد بأنهم أجمعوا على الاعتقاد بأن هذا الموجود ليس القرآن كله ، والعبارة صحيحة بالنسبة لعلماء السنة الذين أجمعوا على الاعتقاد بنسخ التلاوة ، فمن يعتقد بنسخ التلاوة لابد أنه يعتقد بأن الذي في أيدي الناس من القرآن ليس القرآن كله بل منه ما نزل ونسخت تلاوته . 

  ثم على الناقل أن ينظر إلى ما قيل في ترجمة هذا الرجل في مصادر الشيعة قبل أن يصفه بأنه من علماء الشيعة ، وقد جمعها السيد الخوئي s في كتابه ( معجم رجال الحديث ) وهي صريحة في أن الرجل مجمع على غلوه وتخليطه .

 " قال النجاشي : علي بن أحمد أبو القاسم الكوفي : رجل من أهل الكوفة كان يقول انه من آل أبي طالب ، وغلا في آخر أمره ، وفسد مذهبه وصنف كتبا كثيرة أكثرها على الفساد " .

وقال ابن الغضائري : " مدعي العلوية كذاب غال صاحب بدعة ومقالة رأيت له كتبا كثيرة لا يلتفت إليه " (2) .   

 

4. الشيخ المفيد ، نقل قوله s في ( أوائل المقالات ) : " أن الأخبار جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان " .

 مستدلا بكلمة الاستفاضة على إجماع الشيعة المزعوم وعلى قول الشيخ المفيد بتحريف القرآن .

  نقول : النص المذكور أورده الشيخ المفيد في كتابه ( أوائل المقالات ) لبيان وجود مثل هذه الروايات في الجوامع الروائية - وهذا مما لا ريب فيه كما هي موجودة عند أهل السنة - وليس تقييما لها أو تأييدها بل أن الشيخ قد ذكر رأيه الشخصي الصريح بعد أسطر قليلة تعمد الكاتب حذفها ، ولا يمكن تفسير هذا التعمد إلا بسوء السريرة والعداء .

  إذ قال المفيد s بعدها : " وقد قال جماعة من أهل الإمامة أنه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتا في مصحف أمير المؤمنين d من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله وذلك كان ثابتا منزلا وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز وقد يسمى تأويل القرآن قرآنا ، وهذا ليس فيه بين أهل التفسير اختلاف .

  وعندي أن هذا القول أشبه - أي أقرب إلى الصواب - من مقال من ادعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل وإليه أميل والله اسأل توفيقه للصواب " (1) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



(1) مرآة الأنوار - ص36

(1) مشارق الشموس الدرية - ص126

(1) الاستغاثة - ص92

(2) معجم رجال الحديث - ج11 ص(246-247)

(1) أوائل المقالات - ص80