6 –الإمام الصادق d في كتب السنة
قال : " جعفر بن محمد لم يكن بذلك الثقة
عند مالك ، بل إن مالكا ما كان يروي عنه حتى يضم غيره إليه " .
ثم أضاف الكاتب في الحاشية : " هذا هو
الثابت في كتب الرجال في ترجمة جعفر الصادق كالتهذيب والجرح والتعديل والميزان
" .
نقول : عند الرجوع
إلى المصادر الثلاث من كتب الرجال التي أرجع إليها تبين أن تعبير" لم يكن
بذلك الثقة عند مالك " غير موجود في أي منها .
نعم هي
استنباط خاطئ من عبارة " كان مالك لا يروي عنه حتى يضمه إلى آخر " (1) ،
ولو سلم بدلالة للعبارة فينبغي أن يقال " ليس بذلك الثقة لأنه كان يضم إليه
غيره " ، لا كما ذكر " ليس بذلك الثقة عند مالك بل كان يضم إليه غيره " ، ليوهم القارئ أن العبارة
الأولى التي فيها تصريح بأنه ليس بثقة عند مالك هي من كتب الجرح والتعديل .
وإن كان قد نقل هذا القول عن مالك في الإمام
الصادق d فهناك قول آخر لمالك ينافي ما سبق كما في (
تهذيب التهذيب ) ، " وقال مالك : اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إلا على
ثلاث خصال إما مصل وإما صائم وإما يقرأ القرآن وما رأيته يحدث إلا على طهارة
" (1) ، فينبغي أن ينقل هذا القول لمالك أيضا .
بل
ينبغي للمنصف غير المتبع لأهل الزلقات أن ينقل قول يحيى بن سعيد القطان : "
أملى علي جعفر بن محمد الحديث الطويل يعني في الحج ، وفي نفسي منه شيء ، مجالد أحب
إلي منه " ، ورد الذهبي له بقوة كما في ( سير أعلام النبلاء ) : " قلت
هذه من زلقات يحي القطان بل أجمع أئمة هذا الشأن على أن جعفرا أوثق من مجالد ولم
يلتفتوا إلى قول يحيى " (2) ، فهل الثابت ما قلته أنت أم ما قاله الذهبي
" أجمع أهل الشأن " ؟
ثم إن ابن حجر نقل في ( التهذيب ) أن مالك لم
يرو عن جعفر حتى ظهر أمر بني العباس ، فإذا كان عدم الرواية عنه d لظروف سياسية ، ألا يمكن
أن تكون الرواية مع ضم الغير لظروف سياسية وخاصة مع الالتفات إلى علاقة مالك بأبي
جعفر المنصور والعدواة التي يحملها أبو جعفر للإمام d ، فمن المعروف أن
السلطات الأموية قد ضيقت على أهل البيت g وعلى أصحابهم تضييقا شديدا ، بحيث تعتبر الفترة
الوحيدة التي انتشرت فيها علوم أهل البيت g هي الفترة الانتقالية
التي ضعفت فيها الدولة الأموية وانشغلت الدولة العباسية بتعزيز نفوذها في البلاد
في أول قيامها وهي في أواخر عهد الإمام محمد الباقر d وجزء من عهد الإمام
الصادق d ، حتى إذا أرسى العباسيون قواعدهم سلكوا مسلك
الأمويين في الشدة على الأئمة g وشيعتهم ، وبدا ذلك
واضحا منذ عهد المنصور العباسي .
ألا يكفي أن جعفر بن محمد الصادق d ممن روى عنه مسلم في
صحيحه في كتاب الحج باب حجة النبي B ، هذا وقد قال الألباني
في ( السلسلة الصحيحة ) حينما صحح حديث فاطمة j بضعة مني : " وهذا
إسناد جيد جعفر هذا هو ابن محمد بن علي بن الحسين أبو عبد الله الصادق الإمام
الفقيه وهو ثقة من رجال مسلم " (1) .
ونقل
السيوطي في ( تدريب الرواي ) قول الحاكم : وأصح أسانيد أهل البيت جعفر بن محمد بن
علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده عن علي (2) .
بل كيف يحق
لكاتب يدعي العلم أن يقول في حاشيته أن عدم وثاقة جعفر بن محمد هو الثابت في كتب
الرجال في ترجمته كالتهذيب والجرح والتعديل والميزان ؟
وحينما نراجع
( تهذيب التهذيب ) يقول ابن حجر :
" وقال إسحاق بن راهويه قلت للشافعي : كيف
جعفر بن محمد عندك ؟ فقال : ثقة في مناظرة جرت بينهما ، وقال الدوري عن يحيي بن
معين : ثقة مأمون ، وقال ابن أبي خيثمة وغيره ثقة … وقال ابن أبي حاتم عن أبيه ثقة لا يسأل عن مثله .
وقال ابن عدي : ولجعفر أحاديث كثيرة
ونسخ وهو من ثقات الناس كما قال يحيى بن معين ، وقال عمرو بن أبي المقدام كنت إذا
نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين .
… وذكره
ابن حبان في الثقات وقال كان من سادات أهل البيت فقها وعلما وفضلا … " (3) ، انتهى كلام ابن حجر .
وأما
كتاب ( الجرح والتعديل ) فليس فيه ذكر لقضية مالك وضم الغير ، بل قال : "
حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن سلمة قال : سمعت إسحاق بن إبراهيم بن راهويه يقول :
قلت للشافعي : كيف جعفر بن محمد عندك ، قال : ثقة في مناظرة جرت بينهما ، حدثنا عبد
الرحمن قال : قرئ على العباس بن محمد الدوري قال : سمعت يحيى بن معين قال : جعفر
بن محمد ثقة ، حدثنا عبد الرحمن قال : سمعت أبي يقول جعفر بن محمد ثقة لا يسأل عن
مثله ، حدثنا عبد الرحمن قال : سمعت أبا زرعة وسئل عن جعفر بن محمد وسهيل بت أبي
صالح عن أبيه و العلاء عن أبيه أيما أصح ؟
قال : لا يقرن جعفر إلى هؤلاء ، يريد جعفر أرفع من هؤلاء في كل معنى " (1) .
وأما في ( ميزان الاعتدال ) فقد بدأ الذهبي
الترجمة بقوله : " جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الهاشمي أبو عبد الله أحد
الأئمة الأعلام بر صادق كبير الشأن " (2) ،
وقد نقلنا رده لكلام يحيى القطان في الإمام d في ( سير أعلام النبلاء
) وقوله أنها من زلقات القطان .