4  اتهام الشيعة بالعنصرية الفارسية

 

قيل : " السبب الرئيسي لبغض الشيعة لعمر هو تحطيمه دولة فارس "

 

  نقول : إن كانت هناك عنصرية نتنة فهي في كتابة هذه السطور التي تقوم على بغض القومية الفارسية وإثارة هذه النعرات ، والقرآن الكريم يقول ] إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [ ، فلا تجد في أحاديث الشيعة إشارة إلى ذلك بل سادتهم وأئمتهم هاشميون قرشيون عرب .

  وهم يصرحون في كتبهم أن الخليفة الثاني يفقد المنزلة التي يمتلكها عند السنة بسبب عدم خضوعه للنص النبوي الذي يعتبر مصدر التشريع الأساس بعد القرآن الكريم ، وكذلك تصريح عمر عدة مرات بمخالفته لرسول الله B في عدة مواقف يذكرها البخاري ومسلم في صحيحهما ، فترى عمر يجذب رداء الرسول B ليمنعه من الصلاة على الميت ، ويخشى في موقف آخر أن ينزل فيه قرآن بسبب كثرة رده على رسول الله B ، هذه الحالة التي بلغت أوجها في وقوفه في الصف المخالف لرسول الله B في وصيته الأخيرة وهو على فراش الموت حينما طلب B الكتف والدواة ليكتب للمسلمين كتابا لن يضلوا بعده أبدا ، فقال عمر : " إن النبي B غلبه الوجع وعندكم كتاب الله ، حسبنا كتاب الله " .

 ثم تعرضه لبيت فاطمة الزهراء j بالتهديد بالحرق كما روى ابن أبي شيبة في مصنفه إمعانا في فرض بيعة أبي بكر على المسلمين :

" حدثنا محمد بن بشر نا عبيد الله بن عمر حدثنا زيد بن أسلم عن أبيه أسلم أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله B كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله B فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال : يا بنت رسول الله B والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك وأيم الله ما ذاك بمانعي أن اجتمع هؤلاء النفر عندك إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت " (1) .

  وهذا النص فيه اختصار شديد ويخفي وراءه أمورا أليمة تعرض لها بيت النبوة بعد وفاة رسول الله B ، وتفاصيلها مبعثرة كثيرا في كتب التاريخ ، فلنترك البحث للقارئ .

  ومما يؤكد ذلك ما رواه البخاري في صحيحه كتاب المغازي باب غزوة خيبر من قول علي d عندما أراد بيعة أبي بكر بعد ستة أشهر أي بعد وفاة فاطمة j "   فأرسل إلى أبي بكر : أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك ، كراهية لمحضر عمر " (2) ، فهي صريحة في أن عليا d يحمل في نفسه شيئا على عمر .  

 وكذلك يشير إليه ما رواه مسلم في صحيحه من قول عمر لعلي d والعباس :  " فجئتما تطلب ميراثك من بن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر قال رسول الله B ما نورث ما تركنا صدقة ، فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق ، ثم توفي أبو بكر وأنا ولي رسول الله B وولي أبي بكر فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا " (3) .

 والشيعة اتبعت قول رسول الله B في أن الحق مع علي d وأن من فارق عليا d فقد فارق رسول الله B وفارق الصراط المستقيم بذلك ، فقد روى الهيثمي في مجمع الزوائد قال :

 " وعن أبي ذر قال : قال رسول الله B وسلم لعلي : يا علي من فارقني فارق الله ومن فارقك يا علي فارقني " ، قال الهيثمي : رواه البزار ورجاله ثقات (1) .

فموقف الشيعة المخالف للسنة في ذلك ليس شخصيا ولا عنصريا بل هو ما يمليه عليهم الدليل ، وتمليه النصوص التاريخية والروائية .

 

 قيل : " وكذا تعظيمهم لسلمان الفارسي من دون الصحابة حتى قالوا أنه يوحى إليه لا لشيء إلا أنه فارسي " ، وأرجع إلى كتاب رجال الكشي كمصدر لهذا الكلام .

 

  نقول : يعظم الشيعة سلمان الفارسي لأن رسول الله B علق على صدره أوسمة الإيمان التي لم يحصل عليها كثير من الصحابة ، فهو من قال فيه B : " اشتاقت الجنة إلى ثلاثة علي وعمار وسلمان " ، كما في ( المستدرك على الصحيحين ) قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال الذهبي في التلخيص :   صحيح (2) .

  وحذر رسول الله B أبا بكر من إغضاب جماعة فيهم سلمان لأن في غضبهم غضب الله تعالى ، فقد روى مسلم في صحيحه عن عائذ بن عمرو " أن أبا سفيـان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر ، فقالوا : والله ما أخذت سيـوف الله من عنق عدو الله مأخذها ، قال : فقال أبو بكر : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم ! فأتى النبي B فأخبره ، فقال : يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك " (1) .

  وفي ذلك قال النووي في شرحه على صحيح مسلم : " وفي هذا فضيلة ظاهرة لسلمان ورفقته هؤلاء " (2) .

  وبملاحظة اختلاف الصفحات مع تغير الطبعات ، فإننا نحتمل بل نطمئن بأن الكاتب يقصد بقوله : " حتى قالوا أنه يوحى إليه " ما ذكر في من رجال الكشي عن الحسن بن منصور قال : قلت للصادق d : " أكان سلمان محدثا ؟ قال نعم ، قلت : من يحدثه ؟ قال ملك كريم " (3) ، وإلا لا توجد لفظة يوحى إليه في مصادر الشيعة كلها .

  فالرواية تذكر أن سلمان كان محدثا ، والعجب أن يستنكر ذلك من يؤمن بصحة ما رواه البخاري في مناقب عمر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله B : " لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون ، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر " (4) .

 ثم ذكر بسند آخر عن أبي هريرة قال : قال النبي B : " لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر " .

 وذكره مسلم في صحيحه عن عائشة عن النبي B أنه كان يقول : " قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فإن يك في أمتي أحد فإن عمر ابن الخطاب منهم " (5) .

 قال ابن حجر في ( فتح الباري ) :

" قوله محدثون بفتح الدال جمع محدث واختلف في تأويله فقيل : ملهم قاله الأكثر قالوا المحدث بالفتح هو الرجل الصادق الظن وهو من ألقى في روعه شيء من قبل الملأ الأعلى فيكون كالذي حدثه غيره به ، وبهذا جزم أبو احمد العسكري ، وقيل : من يجري الصواب على لسانه من غير قصد : وقيل : مكلم أي تكلمه الملائكة بغير نبوة ، وهذا ورد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا ولفظه قيل : يا رسول الله B وكيف يحدث ؟ قال : " تتكلم الملائكة على لسانه ، رويناه في " فوائد الجوهري " وحكاه القابسي وآخرون ، ويؤيده ما ثبت في الرواية المعلقة ، ويحتمل رده إلى المعنى الأول أي تكلمه في نفسه وإن لم ير مكلما في الحقيقة فيرجع إلى الإلهام " (1) .

  والذي يثبت أن عمر محدث ما ذكره ابن حجر في نفس الصفحة ، قال : " وأخرجه من حديث خفاف بن إيماء أنه كان يصلي مع عبد الرحمن بن عوف فإذا خطب عمر سمعه يقول أشهد أنك مكلم " .

 والذي صرح به ابن كثير في تاريخه قال عند رده حديث رد الشمس الوارد في فضائل الإمام علي d وإثبات حديث يا سـارية الجبل : " وأين مكاشفة إمام قد شهد الشارع له بأنه محدث بأمر خير من رد الشمس طالعة بعد مغيبها الذي هو أكثر علامات الساعة " (2) .

 لذا قال ابن حجر في الصفحة المذكورة من ( الفتح ) :

" وقوله وان يك في أمتي قيل : لم يورد هذا القول مورد الترديد فإن أمته أفضل الأمم وإذا ثبت أن ذلك وجد في غيرهم فإمكان وجوده فيهم أولى ، وإنما أورده مورد التأكيد كما يقول الرجل إن يكن لي صديق فإنه فلان ويريد اختصاصه بكمال الصداقة     لا نفي الأصدقاء ، ونحوه قول الأجير إن كنت عملت لك فوفني حقي وكلاهما     عالم بالعمل لكن مراد القائل أن تأخيرك حقي عمل من عنده شك في كوني    عملت " (1) .

  وذكر تعليقا على الرواية المعلقة في الصفحة التالية :

" قوله قال : ابن عباس من نبي ولا محدث أي في قوله تعالى " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى " الآية ، كأن ابن عباس زاد فيها ولا محدث ، أخرجه سفيان بن عيينة في أواخر جامعه ، وأخرجه عبد بن حميد من طريقه وإسناده إلى بن عباس صحيح ، ولفظه عن عمرو بن دينار قال : كان ابن عباس يقرأ : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث ، والسبب في تخصيص عمر بالذكر لكثرة ما وقع له في زمن النبي B من الموافقات التي نزل القران مطابقا لها ووقع له بعد النبي B عدة إصابات " .

  وحينما يؤكد ابن حجر هذا الأمر بالنسبة لعمر فهو لا ينفيه لآخرين كما قال في : " كذا قاله النبي B على سبيل التوقع وكأنه لم يكن اطلع على أن ذلك كائن وقد وقع بحمد الله ما توقعه النبي B في عمر ( رض ) ووقع من ذلك لغيره ما لا يحصى ذكره " (2) .

  إذن بعد كل ذلك كيف يضخم ما روي في مصادر الشيعة من أن سلمان محدث تحدثه الملائكة ! ثم ينقل زيادة في التهويل بصيغة " حتى قالوا أنه يوحى إليه " ، ومع كل تلك النصوص في عمر هل يحق لشيعي أن يقول أن السنة يعتقدون أن عمر يوحى إليه ؟

  وفيما يتعلق بعلم سلمان ورد فيه ما لم يرد في عمر ، فقد روى الحاكم في             ( المستدرك ) عن يزيد بن عميرة أن معاذ بن جبل لما حضرته الوفاة قالوا : يا أبا عبد الرحمن ، أوصنا قال : أجلسوني ، ثم قال : إن العلم والإيمان مكانهما من التمسهما وجدهما قال ذلك ثلاث مرات ، والتمسوا العلم عند أربعة رهط " وذكر منهم سلمان قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، وقال الذهبي : على شرطهما (1) ، والعجب إن في الحديث التالي ، قال يزيد : فقلت وعند عمر بن الخطاب ؟ فقال : لا تسأله عن شيء فإنه عنك مشغول " ؟!

  ونقل ابن سعد في ( الطبقات الكبرى ) عند ترجمة سلمان قول النبي B : " لقد أشبع سلمان علما " ، وروى عن أبي البختري قال سئل علي عن سلمان فقال :    " أوتي العلم الأول والعلم الآخر ، لا يدرك ما عنده " ، وفي رواية أخرى قال :      " وكان بحرا لا ينزف " (2) .

 

 ثم قال : " ولهذا للعنصرية الفارسية لدى الشيعة يروون في كتبهم عن علي بن أبي طالب أنه قال عن كسرى ( أنوشروان ) : إن الله خلصه من عذاب النار والنار محرمة عليه " .

 وأرجع إلى كتاب ( بحار الأنوار ) للعلامة المجلسي .

  نقول : لقد ورد من طرق روايات أهـل السنة أن رسول الله B قال : " ولدت في زمن الملك العادل أنوشروان " (1) ، ذكر الحديث ابن رجب الحنبلي في ذيله على طبقات الحنابلة عند ترجمته للزاهد العابد أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة : " قال أبو المظفر وكراماته كثيرة وفضائله غزيرة فمنها أني صليت يوم جمعة والشيخ عبد الله اليوناني إلى جانبي وأبو عمر يخطب نهض الشيخ عبد الله مسرعا وقلت له : خير ، ما الذي أصابك ؟ فقال : هذا أبو عمر ما تحل خلفه صلاة لأنه يقول على المنبر الملك العادل وهو ظالم فما يصدق وإذا بالشيخ أبي عمر ثم قال ابتداء قد جاء في الحديث : أن النبي B قال : " ولدت في زمن الملك العادل كسرى " .

  وعليه هل يجوز أن يقال إن أهل السنة بدليل ورود هذا الخبر في مصادرهم ينطلقون من عصبية فارسية ؟ وخاصة لشيعي يعيش زمن البخاري ومسلم النيسابوري وغيرهم من علماء الحديث الفرس من أهل السنة .

  وإذا قيل أن الخبر ضعيف السند في مصادر السنة بل قيل بأنه موضوع كما     صرح بذلك الحليمي على ما نقله البيهقي في ( شعب الإيمان ) قال : " وتكلم في بطلان ما يرويه بعض الجهال عن نبينا B ولدت في زمن الملك العادل يعني أنوشروان " (2) .

  نقول من قال لكم أن الرواية المذكورة في البحار لها سند معتبر بل هي في منتهى الضعف فالرواية المذكورة مروية عن عمار بن موسى الساباطي من أصحاب الإمام الصادق والكـاظم h فـروايته عن أمير المؤمنين علي d مرسلة لوجود الفاصل الزماني الطويل بينهم فلا قيمة لهذا الخبر ، أم لكم أن تضعفوا أحاديثكم وليس لنا ذلك .

  هذا فضلا عن أن أصل كتاب ( الفضائل ) وهو منسوب إلى الشيخ شاذان القمي المنقول عنه الخبر يشكك العلامة الطهراني في كتابه ( الذريعة ) في صحة انتسابه إلى المؤلف قال : " وتاريخ تأليف كليهما ينافي كونهما لشاذان فهما من الكتب المجهول شخص مؤلفهما " (1) .

  ومع ذلك فعند الرجوع إلى النص الأصلي يلاحظ أن الكاتب لم ينقل النص كاملا بل قطعه تهويلا للأمر ، فنص الرواية كما في بحار الأنوار أن كسرى يتكلم : " وأما أنا فعبد الله وابن أمة الله كسرى أنوشيروان فأنا محروم من الجنة بعدم إيماني به ولكني مع هذا الكفر خلصني الله تعالى من عذاب النار ببركة عدلي وإنصافي بين الرعية وأنا في النار والنار محرمة علي " (2) .

  والكاتب لم ينقل إلا عبارة " إن الله خلصه من عذاب النار والنار محرمة عليه " ، فالرواية تصرح بأن كسرى في النار محروم من الجنة ، وهذا في حد نفسه عذاب ولكن الرواية تنفي احتراقه بالنار وهذا معنى " وأنا في النار والنار محرمة علي " أي لا يحترق بنار جهنم ولكنه في النار أي في جهنم يعذب إذ ليس الاحتراق بالنار هو العذاب الوحيد في جهنم .

المهم لا قيمة لهذا الخبر المنكر المرسل ولم يبن عليه علماء الشيعة شيئا لا في العقيدة ولا في الأحكام .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



(1) مصنف ابن أبي شيبة - ج7ص432

(2) صحيح البخاري - ج5 ص177

(3) صحيح مسلم - ج2 ص1378

(1) مجمع الزوائد - ج9 ص135

(2) المستدرك على الصحيحين - ج3 ص148             

(1) صحيح مسلم - ج4 ص1947                        (5) صحيح مسلم - ج4 ص1864

(2) شرح صحيح مسلم - ج16 ص66                  

(3) رجال الكشي - ص19

(4) صحيح البخاري - ج5 ص15

(1) فتح الباري - ج7 ص50

(2) تاريخ ابن كثير - ج6 ص93

(1) فتح الباري - ج7 ص50

(2) فتح الباري - ج6 ص516

(1) المستدرك على الصحيحين - ج1 ص177

(2) الطبقات الكبرى - ج3 ص60

(1) طبقات الحنابلة - ج4 ص57

(2) شعب الإيمان - ج4 ص305

(1) الذريعة - ج16 ص250

(2) بحار الأنوار - ج41 ص213