35  حديث الدار

 

  كذب قول رسول الله B في علي d : " إن هذا أخي ووصيي وخليفتي" ، وهو ما يعرف بحديث الدار .

 

  نقول : أصل الخبر ذكره ابن جرير الطبري في تاريخه وفيه نقل علي d لقول رسول الله B مخاطبا عشيرته : " وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصي وخليفتي فيكم قال فأحجم القوم عنها جميعا وقلت وإني لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا وأعظمهم بطنا وأحمشهم ساقا : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ثم قال إن هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا " (1) .

  ورواه ابن جرير في تفسيره (2) بنفس السند عند تفسير قوله تعالى ] وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [ (3) ولكن استبدل العبارة السابقة إلى قوله " على أن يكون أخي وكذا وكذا ؟ " .

 

 

وقوع أصل الحادثة :

  إن هذا الحديث الذي يعرف بحديث الدار قد ورد في عدة مصادر :

  فقد روى أحمد في مسنده عن علي d قال : لما نزلت هذه الآية ] وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [ قال جمع النبي B من أهل بيته فاجتمع ثلاثون فأكلوا وشربوا " (1) ولكن ليس فيها " ويكون خليفتي في أهلي فقال علي : أنا ".

 

وقوعه بلفظ أنت أخي وصاحبي ووارثي ووزيري

  فقد رواه النسائي في ( السنن الكبرى ) في كتاب خصائص علي d عن ربيعة بن ناجد أن رجلا قال لعلي : يا أمير المؤمنين لم ورثت ابن عمك دون عمك قال :   " جمع رسول الله B أو قال دعا رسول الله B بني عبد المطلب فصنع لهم مدا من طعام قال : فأكلوا حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس ، ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأنه لم يمس أو لم يشرب ، فقال : يا بني عبد المطلب إني بعثت إليكم بخاصة وإلى الناس بعامة ، وقد رأيتم من هذه الآية ما قد رأيتم ، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي فلم يقم إليه أحد ، فقمت إليه وكنت أصغر القوم فقال : اجلس ، ثم قال ثلاث مرات كل ذلك أقوم إليه فيقول : اجلس ، حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي ثم قال أنت أخي وصاحبي ووارثي ووزيري فبذلك ورثت ابن عمي دون عمي " (2) .

  والعجب إن محقق الخصائص البلوشي قال : " أبو صادق اسمه مسلم بن يزيد الأزدي الكوفي وقيل اسمه عبد الله بن ناجد ، قال يعقوب بن شيبة : ثقة وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال أبو حاتم : مستقيم الحديث ، وقال ابن سعد : كان ورعا مسلما قليل الحديث يتكلمون فيه وقال ابن حجر : " صدوق " .

  وربعة بن ناجد الأزدي يقال : هو أخو أبي صادق الراوي عنه ، قال العجلي : كوفي تابعي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال الحافظ ابن حجر : " ثقة " .

 وبعد ذلك حكم بضعف السند ، فقال معلقا على ثوثيق ابن حجر لربيعة : " وهذا تساهل منه لأنه في عداد المجهولين " ، فلا أعرف كيف يكون من وثقه العجلي وابن حبان مجهولا ؟ ويكون ابن حجر متساهلا ؟ في حين أن الآخرين لم يذكروا ربيعة وسكتوا عنه ، ألقول الذهبي فقط " لا يعرف " ، أم بغضا لعلي d وطمسا لفضائله ؟ 

  وقد رواه أحمد في مسنده (1) أيضا عن أبي صادق عن ربيعة ولكن بدون كلمة وزيري ، وذكره الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) ثم قال : رواه أحمد ورجاله ثقات (2) .

  ولذلك كان الإمام علي d يقول كما ينقل الحاكم في ( المستدرك ) : عن ابن عباس ( رض ) قال : كان علي يقول في حياة رسول الله B إن الله يقول : ] أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ[  (3)  ، والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت ، والله أني لأخوه ووليه وابن عمه ووارث علمه فمن أحق به مني " (4) .

 

 والحديث رواه النسائي في الخصائص من ( السنن الكبرى ) (1) والهيثمي في        ( مجمع الزوائد ) وقال : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (2) .

 

 شواهد على صحة قوله B لعلي d : " خليفتي "   

  نقل الحاكم في ( المستدرك ) خبرا طويلا قال : أخبرنا القطيعي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا يحيى بن حماد ثنا أبو عوانة ثنا أبو بلج ثنا عمرو بن ميمون قال : إني لجالس عند ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا : يا ابن عباس إما أن تقوم معنا وإما أن تخلو بنا من بين هؤلاء ، قال : فقال ابن عباس : بل أنا أقوم معكم ،   قال : وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى ، قال : فابتدءوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا ، قال : فجاء ينفض ثوبه ، ويقول أف وتف وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره ، وقعوا في رجل قال له النبي B : " إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي " .

  قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة ، وقال الذهبي في التلخيص : صحيح (3).

  ونقل أحمد بن حنبل هذا الخبر في مسنده في مسند عبد الله بن عباس (4) .

  وروى الخبر بتمامه أحمد في ( فضائل الصحابة ) ، وعلق المحقق وصي الله بقوله :  " إسناده حسن ، ويحيى بن حماد بن أبي زياد أبو بكر البصري ختن أبي عوانة ثقة وثقه أحمد وأبو حاتم وابن حبان وأبو بلج هو يحيى بن سليم أو ابن أبي سليم بن بلج الفزاري الكوفي صدوق أطلق القول بتوثيقه ابن سعد وابن معين والنسائي والدارقطني والجوزجاني والأزدي ، وقال أبو حاتم : صالح الحديث لا بأس به ،     وذكر ابن عبد البر وابن الجوزي عن ابن معين تضعيفه وقال أحمد : روى حديثا منكرا " (1) .

  وروى المقطع المذكور ابن أبي عاصم في ( السنة ) بلفظ " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا إنك لست بنبي وأنت خليفتي في كل مؤمن من بعدي " ، قال المحقق الدكتور الجوابرة : " إسناده حسن رجاله رجال الشيخين غير أبي بلج واسمه يحيى بن سليم بن بلج ، قال الحافظ : صدوق ربما أخطأ " (2) ، ولكن المحقق المسكين رجع  بعد ذلك عن قوله عند إيراد ابن أبي عاصم الرواية تامة وبنفس السند قال :        " إسناده ضعيف بهذا السياق فيه يحيى بن سليم وثقه غير واحد وقال البخاري : فيه نظر " (3) والظاهر أنه نقل كلمة محققي طبعة الرسالة من مسند أحمد بن حنبل غير ملتفت إلى مناقضتها للنتيجة التي توصل إليها سابقا من حسن الحديث ، وقد أشرنا إلى محله في المسند .

  وقد ذكر الخبر ابن حجر أيضا في ( الإصابة ) (4) ضمن فضائل أمير المؤمنين علي d في ترجمته .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



(1) تاريخ الطبري - ج2 ص62

(2) تفسير الطبري  - ج11 ص148

(3) الشعراء : 214

(1) مسند احمد - ج2 ص225

(2) السنن الكبرى للنسائي - ج5 ص125 (8451 )  ص83

(1) مسند احمد بن حنبل - ج2 ص564 (1731)              (4) المستدرك على الصحيحين - ج3 ص126

(2) مجمع الزوائد - ج8 ص203

(3) آل عمران : 144

(1) السنن الكبرى للنسائي - ج5 ص125                (4) مسند احمد بن حنبل - ج5 ص178 (3061 )     

(2) مجمع الزوائد - ج9 ص134

(3) المستدرك على الصحيحين - ج3 ص143

(1) فضائل الصحابة - ج2 ص849                       (4) الإصابة في تمييز الصحابة - ج4 ص270

(2) السنة لابن أبي عاصم - ج2 ص800

(3) نفس المصدر السابق - ص900