28 – عمر وشورى الستة
قيل عن الشورى التي عينها عمر للخلافة من بعده
: " … وإذا مضى وقت ولم يتفق الستة فاقتلوهم
" .
فقال : " إن القصة التي ذكرت مختلقة اختلقها
كذاب … " ، ثم أورد رواية البخاري في تلك
الشورى .
نقول
: هذه الرواية ذكرها الطبري في تاريخه وغيره من المؤرخين ولم ترو عن طريق أبي مخنف
فقط .
فقد ذكرها ابن سعد في ( الطبقات الكبرى )
بإسناد آخر في ترجمة عمر بن الخطاب قال : " أخبرنا عبد الله بن بكر السهمي
قال : أخبرنا حاتم ابن أبي صغيرة عن سماك أن عمر بن الخطاب لما حضر قال : إن
أستخلف فسنة وإلا أستخلف فسنة ، توفي رسول الله ولم يستخلف ، وتوفي أبو بكر
فاستخلف ، فقال علي d : فعرفت والله أنه لن يعدل بسنة رسول الله
B فذاك حين جعلها عمر شورى بين عثمان ابن عفان
وعلي بن أبي طالب والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص ، وقال
للأنصار : أدخلوهم بيتا ثلاثة أيام فإن استقاموا وإلا فادخلوا عليهم فاضربوا
أعناقهم " (1) .
فهذه
الرواية تؤكد ما أراد أن ينفيه عن عمر ، أما عن سند الحديث :
فعبد الله بن
بكر السهمي : أبو وهب البصري نزيل بغداد امتنع من القضاء ثقة حافظ (1) .
حاتم بن أبي صغيرة : أبو يونس البصري ثقة (2) .
سماك بن حرب : الذهلي البكري الكوفي ، أبو
مغيرة صدوق ، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة وقد تغير بآخره (3) ،
وذكر في تهذيب التهذيب : وقال ابن عدي : ولسماك حديث كثير مستقيم إن شاء الله ،
وهو من كبار تابعي أهل الكوفة وأحاديثه حسان وهو صدوق لابأس به " (4) ، وعليه يظهر أن الرواية حسنة لا بأس
بسندها .
بل رجح ابن حجر في ( فتح الباري ) صدور ذلك من
عمر عند شرحه للرواية التي نقلها الكاتب قال : " ووقع في رواية إسرائيل عن
أبي إسحاق في قصة عثمان : فإن ولوك هذا الأمر فاتق الله فيه ولا تحملن بني أبي
معيط على رقاب الناس ، ثم قال : ادعوا لي
صهيبا ، فدعي له ، فقال : صل بالناس ثلاثا وليحل هؤلاء القوم في بيت فإذا اجتمعوا
على رجل فمن خالف فاضربوا عنقه " (5) .
قال ابن حجر : " وله شاهد من حديث ابن عمر
أخرجه ابن سعد بإسناد صحيح قال : دخل الرهط على عمر فنظر إليهم فقال : إني قد نظرت
في أمر الناس فلم أجد عند الناس شقاقا ، فإن كان فهو فيكم ، وإنما الأمر إليكم -
وكان طلحة غائبا في أمواله - قال : فإن كان قومكم لا يؤمرون إلا لأحد الثلاثة عبد الرحمن
بن عوف وعثمان وعلي ، فمن ولي منكم فلا يحمل قرابته على رقاب الناس ، قوموا
فتشاورا ، ثم قال عمر : أمهلوا فإن حدث لي حدث فليصل لكم صهيب ثلاثا ، فمن تأمر
منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه " (1) .
ثم أن
الرواية التي نقلها عن البخاري لا تحكي كل الواقعة ، بل هناك رواية للبخاري في
كتاب الأحكام باب كيف يبايع الإمام الناس فيها تفصيل أكثر : " قال المسور :
طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل فضرب الباب حتى استيقظت ، فقال : أراك نائما ، فوالله ما اكتحلت هذه
الثلاث بكبير نوم انطلق فادع الزبير وسعدا ، فدعوتهما له فشاورهما ، ثم دعاني فقال
: ادع لي عليا ، فدعوته ، فناجاه حتى إبهار الليل ، ثم قام علي من عنده وهو على طمع
، وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي شيئا ، ثم قال : ادع لي عثمان فدعوته ، فناجاه
حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح ، فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند
المنبر فأرسل إلى من كان حاضرا من
المهاجرين والأنصار وأرسل إلى أمراء الأجناد ، وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر ،
فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال : أما بعد يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون
بعثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلا " (2) .
وليست
العبارة الأخيرة من عبد الرحمن خالية من التهديد .