26 موقف سعد بن عبادة من خلافة أبي بكر

 

  أنكر الكاتب قول سعد بن عبادة : " والله لا أبايعكم أبدا " لضعف السند ، ثم نقل قول سعد لأبي بكر : " صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء " الذي رواه أحمد في مسنده معلقا عليه بقوله : " وهذا مرسل حسـن الإسناد وهو أجود بكثير من رواية أبي مخنف التي هي من رواية كـذاب وليس لها إسـناد ، ثم كيف لا يفيض بإفاضتهم ! هل يحج وحده ؟ وهل يقول مثل هذا الكلام عاقل ؟! " .

 

  نقول : هذا الذي يريد أن يصوره الكاتب زورا من أن سعد بن عبادة قبل بخلافة أبي بكر يناقض ما في الصحاح ، فكيف تترك ما في صحيح البخاري وتأخذ برواية في مسند أحمد تعترف بأنها مرسلة ؟!

  فقد روى البخاري في صحيحه أن مقولة " نحن الأمراء وأنتم الوزراء " هي    لأبي بكر ، ولم يقبلها الحباب بن المنذر بل قال " لا والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير " (1) ، وقطعا رواية البخاري صريحة في عدم قبول سعد ذلك لأن في آخرها     " قال قائل : قتلتم سعدا فقال عمر : قتله الله " ، فهل يقول عمر قتله الله إذا كان قد قبل بخلافة أبي بكر ؟

  وهل جهل الكاتب ما في رواية البخاري ؟ أم أن قواعد الحديث تقتضي أن نترك الصحيح ونتمسك بالمرسل الحسن ؟ أم هي أهواء ؟

  والأدهى من ذلك أن يأتي محقق مسند أحمد (1) ويعلق على الرواية بقوله : صحيح لغيره ، فبعد أن اعترف بأن الخبر مرسل لأن حميد بن عبد الرحمن وهو الحميري تابعي ولم يدرك أبا بكر ولا عمر ولم يصرح هنا بكر من حدثه ذكر شواهد على مقاطع الحديث ولم يذكر أي شاهد صحيح على ما نسب لسعد من قوله : " صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء " فكيف تصبح صحيحة لغيرها ؟ الله أعلم ! لكن الظاهر أن الأهواء هي المعيار هنا لا مقاييس التصحيح والتضعيف المعروفة عند علماء الحديث .

  ثم إن أحمد لم يتفرد بالخبر كما قال المحقق ، بل ذكره الطبري في تاريخه وبنفس الطريق (2) ، وأحمد حذف كثير من المواقع المضرة في نظره ولذا لم ينقلها تامة كما هي في تاريخ الطبري ، منها التصريح بآخرها بتخلف علي d والزبير وإكراههما على البيعة .

  ولا يستطيع قائل أن يقول أن المذكور في رواية أحمد متأخر عن السقيفة لأن سياقها أنها حدثت في السقيفة إذ جاء فيها " فانطلق أبو بكر وعمر يتقاودان حتى أتوهم " أي أتوا الأنصار وذلك بعد أن كشف أبو بكر عن وجه رسول الله B وقبَله .

  بل إن الرواية صريحة بذلك بناء على النقل التام الذي نقله الطبري إذ جاء فيها   " إذ جاء رجل يسعى ، فقال : هاتيك الأنصار قد اجتمعت في ظلة بني ساعدة     يبايعون رجلا منهم يقولون منا أمير ومن قريش أمير قال : فانطلق أبو بكر وعمر يتقاودان " . 

  أما ما رواه البخاري كتاب الفضائل باب فضل أبي بكر عن عروة بن الزبير عن عائشة ( رض ) زوج النبي B : " واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ، فقالوا : منا أمير ومنكم أمير ، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح ، فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر ، وكان عمر يقول : والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر ، ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس فقال : في كلامه نحن الأمراء وأنتم الوزراء ، فقال حباب بن المنذر : لا والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير ، فقال أبو   بكر : لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا ، فبايعوا عمر أو أبا عبيدة بن الجراح ، فقال عمر : بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله  B، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس ، فقال قائل : قتلتم سعدا ، فقال عمر: قتله الله " (1) .

  ولقد نقل الخبر البخاري في كتاب الحدود باب رجم الحبلى من زنا عن ابن عباس عن عمر وفيه قال قائل من الأنصار : " أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش " وفيه قال عمر : " ونزونا على سعد بن عبادة " (2) .

  بل قالت عائشة كما في الرواية السابقة أن خطبة أبو بكر رد النفاق الموجود فعن عائشة ( رض ) أنها قالت : " فما كانت من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها لقد خوف عمر الناس وإن فيهم لنفاقا فردهم الله بذلك " . 

  فعائشة ترى أن في البين رائحة نفاق من الأنصار ، وتخويف عمر هو الذي دفع الشر عن الأمة ، فهل إمارة الصحابة من الأنصار شر ؟ وأما سعد بن عبادة المريض كاد أن يوطأ تحت الأقدام ويقتل ، بل إن عمر لم يعتبر قتله خطأ بل يرى إن الله يريد ذلك .

  فأين الجو الودي الذي يصوره الكاتب في الخلاف الذي حدث بينهم في تلك الحقبة بين أبي بكر وعمر من جهة وسعد بن عبادة من جهة أخرى ؟

  هذا وقد صرح ابن عبد البر بعدم مبايعة سعد بن عبادة لهم حتى موته في كتابه     ( الاستيعاب ) عند ترجمة سعد قائلا :

" وتخلف سعد بن عبادة عن بيعة أبي بكر ( رض ) وخرج من المدينة ولم ينصرف إليها إلى أن مات " (1) .

  وكذلك صرح بذلك ابن الأثير في ( أسد الغابة ) قائلا : " فلم يبايع سعد أبا بكر ولا عمر وسار إلى الشام " (2) .

  ثم أن قول سعد " والله لا أبايعكم أبدا " لم تأت عن طريق أبي مخنف فقط بل ذكرها ابن سعد في ( الطبقات ) (3) بغير طريق أبي مخنف .

  وأما عبارة " ويحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم " فهي في نص رواية الطبري في تاريخه (4) ، وليست هي عبارة قالها كتاب الشيعة ، فالاستهزاء بالطبرى وما روى ، وغير العاقل هو الذي لا يستطيع أن يدرك أن سعد يمكن أن يتأخر عن جموع المسلمين عند إفاضتهم فيفيض لوحده ، ويكون هذا معنى لا يفيض بإفاضتهم ، بل يمكن أنه لا يعتبر قول الحاكم في أول الشهر فيختلف يوم الإفاضة عنده في بعض السنين .

 



(1) صحيح البخاري - ج5 ص8

(1) مسند احمد - ج1 ص199

(2) تاريخ الطبري - ج2 ص443

(1) صحيح البخاري - ج5 ص8

(2) نفس المصدر السابق - ج9 ص208

(1) الاستيعاب - ج2 ص164                                         (4) تاريخ الطبري - ج2 ص459

(2) أسد الغابة - ج2 ص222

(3) الطبقات الكبرى - ج2 ص470