2 دعوة غير الله والتكفير الوهابي

 

  قيل أن دعوة غير الله من الكفر استنادا إلى بعض الآيات كقوله تعالى : ] لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ   بِشَيْءٍ [ ، وقوله تعالى : ] إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا  ذُبَابًا [ ، وقوله عز وجل : ] وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنْ الظَّالِمِينَ [ .

 

 نقول : كلمة دعاء استعملت بمعنى النداء ، بمعنى أن تصيح باسم الشخص للمجيء كما لو قيل ( يا زيد ) عند نداءه ، ومنه قوله تعالى ] إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [ (1) وكذلك قوله تعالى ] لاَّ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [  (2)، وبهذا المعنى جاء قوله تعالى          ] اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [ (3) ، وكذلك قوله تعالى ] قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا  [(4) .   

  وقد وردت كلمة الدعاء في القرآن بمعنى الطلب والمسألة وانطلاقا من هذا المعنى تستعمل في الطلب من الله والاستغاثة به كقوله تعالى ] قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ % بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ [ (1) أو ] وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا [ (2) ، وغالبا المعنى الثاني انطلق من المعنى الأول .

  ووردت بمعنى التسمية قال الراغب في ( المفردات ) : " ويستعمل استعمال التسمية نحو دعوت ابني زيدا أي سميته " (3) ، وبهذا المعنى استعملت في قوله تعالى ] تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا % أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَانِ وَلَدًا[   (4) أي ادعوا زورا أن لله ولدا ، وكذلك في قوله تعالى ] ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا [ (5) ، وعليه يمكن حمل كثير من الآيات كقوله تعالى ] وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ [ (6) فتكون بمعنى لا تدع وجود إله آخر مع الله ، وكذلك قوله تعالى ] وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا  [(7) .

  لكن المهم في ذلك كله هو وجود معنى رابع أهمل بصورة تامة وخاصة من قبل الوهابية مما أدى إلى اللبس الذي وقع عندهم ، فمن المعاني التي تستعمل بها كلمة يدعو هي يعبد ، لا أن الدعاء مصداق من مصاديق العبادة كما تخيلت الوهابية وإليك بعض الكلمات في ذلك .

قال ابن منظور في ( لسان العرب ) :

" وقد يكون الدعاء عبادة ] إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ [   وقال أبو إسحاق في قوله ] أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [ معنى الدعاء لله على ثلاثة أوجه فضرب منها توحيده والثناء عليه كقولك : يا الله لا إله إلا أنت وكقولك ربنا لك الحمد ومثله قوله ] وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي [ فهذا ضرب من الدعاء ، والضرب الثاني مسألة الله العفو والرحمة وما يقرب منه كقولك : اللهم اغفر لنا والضرب الثالث مسألة الحظ من الدنيا كقولك : اللهم ارزقني مالا وولدا وفي حديث عرفة : أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفات لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .

  وأما قوله تعالى ] وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  [يعني أن دعاء أهل الجنة تنزيه الله وتعظيمه ، وهو قوله ] دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ [ ثم قال    ] وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [ أخبر أنهم يبتدئون دعاءهم بتعظيم الله وتنزيهه ويختمونه بشكره والثناء عليه فجعل تنزيهه دعاء وتحميده دعاء ، والدعوى هنا معناها الدعاء ، وروي عن النبي B أنه قال الدعاء هو العبادة ، ثم قرأ  ]وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي  [، وقال مجاهد في قوله  ]وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ [ قال : يصلون الصلوات الخمس ، وروي مثل ذلك عن سعيد بن المسيب في قوله   ] لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا [ أي لن نعبد إلها دونه ، وقال الله عز وجل ] أَتَدْعُونَ بَعْلاً [ أي أتعبدون ربا سوى الله وقال ] وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ  [أي لا  تعبد " (1) ، انتهى كلام ابن منظور .

 

 

 وقال الزبيدي في ( تاج العروس ) :

" والدعاء العبادة والاستغاثة ، ومن الثاني ] وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ [ أي استغيثوا بهم " (1) .

  ونستعرض لك أيها القارئ آيتين من القرآن الكريم مع نماذج من تفاسير العلماء لكلمة الدعاء فيهما :

  أولهما : قوله تعالى ] وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا  %وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا  %قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا [ (2) .

  قال ابن الجوزي في تفسيره عند تفسير المساجد ذكر أربعة أقوال وفي الأقوال الثلاث الأخيرة عندما كان يريد توضيح المعنى يقول : " فلا تسجدوا عليها لغير خالقها " أي فسر فلا تدعوا مع الله أحدا أي لا تسجدوا لغير الله ، وقال : " ] وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ [ يعني محمدا B ] يَدْعُوهُ [ أي يعبده وكان يصلي ببطن   نخلة " (3) .

وقال ابن كثير في تفسيره :

 " عن ابن عباس قال : قال الجن لقومهم ] لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا [ قال لما رأوه يصلي وأصحابه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ] إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي [ أي إنما أعبد ربي وحده لا شريك له وأستجير به وأتوكل عليه ] وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا  ["  (1).

 ثانيها : قوله تعالى ] وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [ (2) .

 قال الطبري :

 " وقوله تعالى ] وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ يقول تعالى ذكره ويقول ربكم أيها الناس ادعوني ، يقول اعبدوني وأخلصوا لي العبادة دون من تعبدون من دوني من الأوثان والأصنام وغير ذلك ] أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ يقول أجب دعاءكم فأعفو عنكم وأرحمكم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك : عن ابن عباس قوله ] ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ يقول : وحدوني أغفر لكم ، عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله B : " الدعاء هو العبادة " ، وقرأ رسول الله B ] وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ .

وقوله ] إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي [ يقول : إن الذين يتعظمون عن إفرادي بالعبادة وإفراد الألوهة لي " (3) .

 قال الشوكاني في ( فتح القدير ) :

" وأخرج ابن جرير وابن مردويه وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس في قوله   ] ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ قال : وحدوني أغفر لكم " (4) .

 

قال ابن الجوزي :

" ] ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ فيه قولان أحدهما وحدوني واعبدوني أثبكم قاله  ابن عباس والثاني : سلوني أعطكم قاله السدي ، ] إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي [ فيه قولان أحدهما عن توحيدي والثاني عن دعائي ومسألتي " (1) .

قال الشوكاني :

" ] وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ قال أكثر المفسرين : المعنى وحدوني واعبدوني أتقبل عبادتكم وأغفر لكم وقيل : المراد بالدعاء السؤال بجلب النفع ودفع الضر ، قيل : الأول أولى لأن الدعاء في أكثر استعمالات الكتاب العزيز هو العبادة ، قلت : بل الثاني أولى لأن معنى الدعاء حقيقة وشرعا هو الطلب " (2) .

وأما في الأخبار فقد روى الحاكم في مستدركه عن جرير بن عبد الله البجلي ( رض ) في قول الله عز وجل ] ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ قال : اعبدوني استجب لكم .

 قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، قال الذهبي : على شرط مسلم (3) .

  فمن الواضح من الاستعراض السابق لأقوال المفسرين إن كلمة الدعاء في استعمال القرآن يقصد بها العبادة لا أنها بمعنى الاستغاثة والاستغاثة من مصاديق العبادة ويكفي في ذلك ما نقلناه عن الشوكاني من قوله :

" ] وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ قال أكثر المفسرين : المعنى وحدوني واعبدوني أتقبل عبادتكم وأغفر لكم " .

  والحق أنه لو سلمنا إن الدعاء هنا بمعنى الطلب فلا يمكن أن تعد دليلا على أن كل طلب يعتبر عبادة إنما الحديث في الآيات عن الدعاء والاستغاثة بغير الله التي تنبع من الاعتقاد بألوهية المستغاث به واستحقاقه للعبادة .

  وبعبارة أخرى الآيات التي ذكرت دعاء غير الله - إن فسر الدعاء بمعنى الطلب - تتحدث عن الطلب من الأنداد انطلاقا من الاعتقاد بألوهيتها ، وما نريد قوله هو أن كثيرا من الآيات التي يستدل بها هي لا تتحدث عن مجرد الطلب ، بل الطلب ممن جعل ندا وإلها قبل الطلب منه ، لا أن مجرد الطلب منه يجعله إلها كما فهم ابن عبد الوهاب وتبعته السلفية في هذا العصر . 

  فكيف يعقل أن يكون مجرد طلب الشيء من أحد هو عبادة له وحياة البشر مليئة بمن يطلب حوائجه من الآخرين ، فهذا الفقير يطلب المال من الغني والمريض يطلب العلاج من الطبيب ؟  

  نعم تكون عبادة إذا اعتقد السائل بألوهية من يطلب منه كما قلنا ، ولكن إذا طلب منه بصفته وجيها مقربا عند الله وهو يعلم أن حاجته لن يقضيها سوى الله عز وجل فليس هذا من الكفر بل هو من التوحيد الخالص ، لذا نفس الآيات لا تنفي الشفاعة مطلقا ] قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّنْ دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ  % وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [ (1) ، فالآية صريحة في أن هناك من يأذن له في الشفاعة ، فهل يقال دعاء المأذون بالشفاعة من الشرك ؟ لأن مجرد الطلب من غير الله هو موجب للكفر والشرك .

  أم أن الإنسان إذا أحرز أن شخصا أعطاه الله قدرات كإبراء الأكمه والأبرص كما ثبت للمسيح d فيمكن بإذن الله أن يطلب منه حاجته ولا يعتبر في ذلك أدنى شرك بالله تعالى بل هو من التوحيد لأن قدرته من الله ، أم كانت تلك المعجزات فتنة للناس في دينهم ؟!

  فهل الذين طلبوا من المسيح d إبراء الأكمه والأبرص بفضل ما أعطاه الله من القدرة على ذلك كانوا مشركين ، أو أن نبي الله سليمان حينما طلب ممن عنده علم من الكتاب أن يأتي بالعرش كان من الشرك .

  بل أن مثل هذا الطلب قد حدث أمام رسول الله B ولم يستنكره بل أعطى الرجل طريقة للتوسل به B في دعائه لله تعالى فقد روى ابن ماجة في سننه :

  عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى النبي B فقال : ادع الله لي أن يعافيني ، فقال : إن شئت أخرت لك وهو خير وإن شئت دعوت ، فقال : ادعه فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بمحمد نبي الرحمة يا محمد إني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى اللهم فشفعه في ، قال أبو إسحاق : هذا حديث صحيح (1) ، هذا وقد صحح الألباني هذا الحديث .

  ورواه بنفس الإسناد الحاكم في ( المستدرك ) وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وقال الذهبي في التلخيص : على شرطهما ، ورواه بسندين آخرين الأول عن عون بن عمارة البصري وقال بعدها الحاكم : تابعه شبيب بن سعيد الحبطي عن روح بن القاسم زيادات في المتن والإسناد والقول فيه قول شبيب فإنه ثقة مأمون والثاني عن شبيب بن سعيد وقال بعدها : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه وإنما قدمت حديث عون بن عمارة لأن من رسمنا أن نقدم العالي من الأسانيد ، قال الذهبي في التلخيص : على شرط البخاري (1) .

  ورواه أحمد في ( المسند ) قال محققو الطبعة : " إسناده صحيح رجاله ثقات " (2) .

  ورواه ابن خزيمة في صحيحه ، وقال المحقق الدكتور الأعظمي : " إسناده           صحيح " (3) .

  وروى الطبراني في ( المعجم الصغير ) عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان ( رض ) في حاجة له ، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه فقال له عثمان بن حنيف : ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد B نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك ربي جل وعز فيقضي لي حاجتي ، وتذكر حاجتك ورح إلي حتى أروح معك ، فانطلق الرجل فصنع ما قال له عثمان ، ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال : حاجتك ؟ فذكر حاجته فقضاها له ، ثم قال له : ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة ، وقال : ما كانت لك من حاجة فأتنا ، ثم أن الرجل خرج من عنده ، فلقي عثمان بن حنيف فقال له : جزاك الله خيرا ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفـت إلي حتى كلمته في ، فقال عثمان بن حنيف : والله ما كلمتـه ولكن شهدت رسول الله B وأتاه ضرير … ثم روى الحديث " (4) .

  فرواية الطبراني فيها إضافة أن الصحابي عثمان بن حنيف وجه الرجل إلى القيام بنفس صيغة التوسل برسول الله B بعد وفاته B وفي عهد عثمان بن عفان لكي تقضى حاجته ، فهل يعتبر إرشاد عثمان بن حنيف الأعرابي لفعل ذلك بعد وفاة الرسول B إرشاد إلى الشرك ، ولا يمكن إدعاء أن الخبر يدل على التوسل بالذات دون دعاء النبي B والطلب منه مع صراحة ما ورد في الخبر من أنك تقول عند التوسل به B " يا محمد إني أتوجه بك " .

  ثم قال الطبراني بعدها : " لم يروه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبو سعيد المكي وهو ثقة وهو الذي يحدث عنه أحمد ( ابن أحمد ) بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأبلي ، وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي واسمه عمير بن يزيد وهو ثقة تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة ، والحديث صحيح ، وروى هذا الحديث عون بن عمارة عن روح بن القاسم عن محمد بن المنكدر عن جابر ( رض ) وهم فيه عون بن عمارة والصواب حديث شبيب بن   سعيد " .

  ولم ينقل لنا التاريخ أن صحابة النبي B استنكروا على عمر حينما استشفع إلى الله تعالى بالعباس عم النبي B أو اتهموه بأنه أشرك ، والخبر ينقله البخاري عن أنس أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال :  " اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، قال : فيسقون " (1) . 

  لأن العملية كلها من إعطاء القدرات للنبي B إلى الإذن للناس بالطلب المباشر منه قد تمت بأمر الله تعالى ، بل الظاهر أن جواز التوسل والإستشفاع بالنبي B حتى بعد وفاته هو ما يراه ابن كثير صاحب التفسير والتاريخ المعروف بالتزامه بمنهج أهل الحديث ، فقد قال في تفسيره عند تفسيره لقوله تعالى : ] وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا     رَحِيمًا [ (1) :

" وقد ذكر جماعة منهم الشيخ منصور الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي قال : كنت جالسا عند قبر النبي B فجاء إعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول ] وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا [ وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ، ثم انصرف الإعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي B في النوم فقال : يا عتبي إلحق الإعرابي فبشره أن الله قد غفر له " (2) .

  وذكر في تاريخه ( البداية والنهاية ) عند دفاعه عن ابن تيمية في أحداث عام 707 يقول : " ولكن في شوال شكى الصوفية بالقاهرة ابن تيمية فردوا في ذلك إلى القاضي الشافعي فعقد له مجلس قال فيه ابن تيمية لا يستغاث إلا بالله ، لا يستغاث بالنبي ( وذكر ابن كثير جملة اعتراضية ) استغاثة بمعنى العبادة ولكن يتوسل به ويتشفع به إلى الله " (3) .

  وفي حاشية الطبعة في نفس الصفحة قال المحقق : ( المعروف في كتب ابن تيمية وترجمته لابن عبد الهادي : أنه لا يجيز هذا … ) " .

  فالواضح إذن أن المعنى المقصود من الدعاء المنهي عنه في الآيات التي تذكر هنا عادة هو الدعاء النابع من إيمان باستحقاق المدعو للعبادة كما في قوله تعالى ] وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ [ (1) أي لا تعبد مع الله أحدا ولا تشرك به في العبادة . 

  وكذلك قوله تعالى ] أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ  [(2) فهؤلاء كانوا يعبدون بعلا لا أنهم يطلبون منه فقط .

  وقد يقال أن الطلب من الحي يختلف عن الطلب من الميت ، فالأول جائز وقد ثبت شرعا والثاني شرك لا يجوز ، ويرد هذا القول بأن دليل التوحيد والشرك أمر عقلي والأدلة العقلية غير قابلة للتخصيص ، فإذا قلنا أن جمع النقيضين أمر محال عقلي فلا يمكن قبول أي رواية تخالف ذلك . 

  فإذا كان اتخاذ غير الله تعالى إلها شركا عقلا وطبقتموه على مطلق الطلب فلا يمكن أن يكون هذا الطلب والدعاء جائزا تارة وغير جائز تارة أخرى ، فإذا كانت الاستعانة بغير الله علة تامة للشرك فما الفرق بين حالتي الموت والحياة ألم تتحقق الاستعانة بغير الله في الحالتين وهي معيار الشرك عندكم ؟ أم الشرك أمر تعبدي يمكن أن تجيزه الروايات في حالة دون أخرى ؟!

 

 

 

 

 

 

 

 



(1) النمل : 80                                             (4) نوح : 5

(2) النور : 63

(3) الأنفال : 24

(1) الأنعام : 40-41                          (5) غافر : 12

(2) الأعراف : 56                                         (6) القصص : 88

(3) المفردات - ص170                                    (7) الجن : 18

(4) مريم : 90-91

(1) لسان العرب - ج14 ص257                        

(1) تاج العروس - ج10 ص128

(2) الجن : 18-20

(3) زاد المسير - ج8 ص(133-134)

(1) تفسير ابن كثير - ج4 ص461                        (4) فتح القدير - ج4 ص572

(2) غافر : 60

(3) تفسير الطبري - المجلد 12 - ج24 ص98

(1) زاد المسير - ج7 ص87

(2)  فتح القدير - ج 4 ص571

(3) المستدرك على الصحيحين - ج2 ص301

(1) سبأ : 22-23

(1) سنن ابن ماجة - ج1 ص441 ح( 1385 )         

(1) المستدرك على الصحيحين - ج1 ص(441 – 707)

(2) مسند أحمد - طبعة الرسالة - ج28 ص478 ح( 17240 )

(3) صحيح ابن خزيمة - ج2 ص225 ح( 1219 )

(4) المعجم الصغير - ج1 ص183

(1) صحيح البخاري - ج1 ص342

(1) النساء : 64

(2) تفسير ابن كثير - ج1 ص532

(3) البداية والنهاية - ج14 ص51

(1) القصص : 88

(2) الصافات : 125