18 حديث " من سب عليا فقد سبني "

 

  حكم بوضع ما روي عن رسول الله B : " من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله " .

  فقال : وهذا أيضا كذب على رسول الله B، ثم حاول أن يسند ادعاءه ببعض الأدلة .

 

 نقول : لا يصح اتهام من يروي خبرا يعتقد بصحته وتعتقد ضعفه أو وضعه بالكذب على رسول الله B ، وإلا لشملت الدائرة كل علماء الحديث بملاحظة الخلافات التي توجد بينهم .

  ثم كيف يدعى أنه كذب والخبر ذكره الحاكم في ( المستدرك ) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (1) ، وصححه الذهبي في التلخيص .

  والرواية عن أبي عبد الله الجدلي قال : دخلت على أم سلمة o فقالت لي : أيسب رسول الله فيكم فقلت : معاذ الله أو سبحان الله أو كلمة نحوها فقالت : سمعت رسول الله B يقول : " من سب عليا فقد سبني " .

  ورواه أحمد في مسنده (2) ، وفي ( فضائل الصحابة ) (3) وعلق عليه المحقق وصي الله بن محمد عباس بقوله : إسناده صحيح ، وذكره في مجمع الزوائد (4) وقال : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أبي عبد الله الجدلي وهو ثقة ، وقال أيضا : رواه الطبراني في الثلاثة وأبو يعلى ورجال الطبراني رجال الصحيح غير أبي عبد الله وهو ثقة ، وروى الطبراني بعده بإسناد رجاله ثقات إلى أم سلمة عن النبي B قال مثله .

  وكذلك ذكر الرواية السيوطي في ( الجامع الصغير ) (1) وصححه ، اعتقد بعد هذا يتضح مقدار جهل من حكم بأن الخبر كذب على رسول الله B وأنه غير صحيح و غير ثابت عند أهل السنة .

  وأما العلل الثلاث التي استند إليها لنفي صحة الحديث ففيها :

 أولا : قال إن أبا إسحاق السبيعي مدلس مشهور وقد عنعن ولم يصرح في الرواية بالسماع ، نقول إن الحاكم نقل الخبر مرتين متتاليتين وهذه العلة ترد لو نقل الرواية الأولى رقم 4615 فقط ، بينما رواها مرة أخرى عقب الأولى برقم 4616 وقد صرح السبيعي بالسماع في الثانية ، فقال الراوي عنه : " سمعت أبا اسحق التميمي سمعت أبا عبد الله الجدلي " ، فهل تجد تعمدا للتغافل أكثر من هذا أم هو عمى القلب أعاذنا الله منه .

 والمعروف عند علماء الحديث قبول رواية المدلس لو صرح بالسماع كما قال النووي في تقريبه لكلام ابن الصلاح :

 "والصحيح التفصيل مما رواه بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع فمرسل ، وما بينه فيه كسمعت وحدثنا وأخبرنا وشبهها فمقبول يحتج به وفي الصحيحين وغيرهما من هذا كثير" (2) .

   بالطبع ، هذا إن كان ثقة ، وقد قال أحمد في أبي إسحاق : ثقة ، وقال ابن       معين والنسائي : ثقة ، وقال العجلي : تابعي ثقة ، وقال أبو حاتم : ثقة ، ( تهذيب التهذيب ) (1) .

 وثانيا : قال أن محمد بن سعد العوفي ضعفه الخطيب والذهبي ، وقال الدارقطني : لا بأس به .

  ولكن محمد بن سعد لم يرد في سند الرواية الثانية رقم 4616 بل ورد في سند الأولى فهل هي غفلة أم تغافل ؟! الأمر متروك لأهل الإنصاف .

  ثالثا : قال إن أبا عبد الله الجدلي ثقة إلا أنه شيعي جلد ، وهذا الحديث في نصرة بدعته ، وقد تقرر عند علماء الحديث أن المبتدع إذا روى حديثا في نصرة بدعته رد وإن كان ثقة .

  نقول : هذا كذب ولو تسامحنا قلنا جهل منه فالمتقرر عند علماء الحديث هو ما ذكره ابن الصلاح في كتابه (علوم الحديث ) (2) الاحتجاج بقول صاحب البدعة إن لم يكن داعية إلى بدعته ولا يحتج به إن كان داعية لا أنه لا يحتج به إذا روى حديثا في نصرة بدعته ويحتج به في غير ذلك ، قال ابن الصلاح : " وقال قوم : تقبل روايته إذا لم يكن داعية إلى بدعته ولا تقبل إذا كان داعية ، وهذا مذهب الكثير أو الأكثر من العلماء "

  فلذا من المفترض إثبات أن أبا عبد الله الجدلي داعية لبدعته حتى يترتب الأثر  عليه .

وإلا فإن السيوطي في ( تدريب الراوي ) (1) قال :

 " وقيل يحتج به إذا لم يكن داعية إلى بدعته ولا يحتج به إذا كان داعية إليها لأن تزيين بدعته قد تحمله على تحريف الروايات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه ، وهذا القول هو الأظهر الأعدل وقول الكثير أو الأكثر من العلماء ، وضعف القول الأول باحتجاج صاحبي الصحيحين وغيرهما بكثير من المبتدعة غير الدعاة كعمران بن حطـان وداود بن حصين ، قال الحاكم : وكتاب مسلم ملآن من الشيعة ، وقد ادعى ابن حبان الاتفاق على رد الداعية وقبول غيره بلا تفصيل " .

  بل هناك ما هو أكثر من ذلك إذ كيف يمكن إذا ثبت وثاقة المبتدع التفصيل في   ذلك ، لذا تجدهم عمليا يعتمدون على رواية الداعية ، قال السيوطي في ( تدريب الراوي ) (2) :

 " قال العراقي : اعترض عليه بأن الشيخين أيضا احتجا بالدعاة فاحتج البخاري بعمران بن حطان وهو من الدعاة ، واحتج بعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني وكان داعية إلى الإرجاء " .

  وأما ما ذكره من رد حديث المبتدع إذا روى حديثا في نصرة بدعته ، فهو قول الجوزجاني الذي قال : " ومنهم زائغ عن الحق صادق اللهجة فليس فيه حيلة إلا أن يؤخذ من حديثه ما لا يكون منكرا إذا لم يقو به بدعته " ، ووافقه ابن حجر فقال  ابن حجر في ( شرح شرح النخبة ) عند شرح عبارة ( يقبل من لم يكن داعية في الأصح ) : " قال ابن صلاح وهذا أعدل المذاهب وأولاها ، وهو قول الأكثر من العلماء وقال الجزري : قيل إن كان داعية لمذهبه لم يقبل وإلا قبل وهذا الذي عليه الأكثر هو المختار ونقل ابن حبان اتفاقهم عليه " (1) .

  ثم صرح بأنه يخالف المعروف ويؤيد رأي الجوزجاني قال في ( شرح النخبة ) : " ما قاله - الجوزجاني - متجه لأن العلة التي لها رد حديث الداعية واردة فيما إذا كان ظاهر المروي يوافق مذهب المبتدع ولو لم يكن داعية " .

  فابن حجر يقول هو رأيي مخالف للمتقرر عندهم وأنت تقول هو المتقرر عند علماء الحديث ، فإن كان جهلا بالمتقرر عندهم فتلك مصيبة وإن كان كذبا عليهم فالمصيبة أعظم . 

  وأخيرا ما ذكـره في الحاشية يدل على أن الكاتب يكتب من غير تفكير قال :        " الشيعي قديما هو من يفضل عليا على عثمان أو على أبي بكر وعمر وقد تكون عنده بعض البدع فيحتملون منه روايته إذا عرف بالصدق ولكن إذا روى حديثا في نصرة مذهبه فلا يقبل منه لما عرف عنهم من أنهم يتدينون بالكذب والتقية " .

  كيف يمكن لكاتب أن يتناقض في عبارة واحدة فيحكم بقبول روايته " إذا عرف بالصدق " ثم يقول " لا يقبل لأنهم يتدينون بالكذب والتقية " ؟!

  ولم يعلل أحد بذلك ، بل هو غير معقول إذ الحديث عن الصدوق الذي تقبل روايته إلا أن يكون داعية ، بل أقصى ما علل رفض خبره إن كان داعية بقولهم :      " لأن تزيين بدعته قد تحمله على تحريف الروايات وتسويتها على ما يقتضيه    مذهبه " (2) .

  الواقع إن الحقد أعماه فأختلطت عليه الأمور ، بل خلط الأمور فلم يميز بين مصطلح الشيعي والرافضي عندهم .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



(1) المستدرك على الصحيحين - ج3 ص130 حديث4615                     (4) مجمع الزوائد - ج9 ص130

(2) مسند أحمد - ج 6 ص323                                        

(3) فضائل الصحابة - ج2 735 رقم1011

(1) الجامع الصغير - ص529 ( 8736 )

(2) تدريب الراوي - ج1 ص191

(1) تهذيب التهذيب - ج8 ص57

(2) علوم الحديث - ص114

(1) تدريب الراوي - ج1 ص275

(2) نفس المصدر السابق - ص277

(1) شرح شرح النخبة - ص530

(2) تدريب الراوي - ج1 ص276