17– " من " تبعيضية
أم بيانية
قيل أن : كلمة منهم
التي في قوله تعالى ] وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَّغْفِرَةً
وَأَجْرًا عَظِيمَا [ ، دلت على
التبعيض فالبعض من الصحابة انتفت منهم صفة الإيمان والعمل الصالح ، وردّ بما حاصله
أن " من " هنا بيانية وليست تبعيضية .
نقول : الغريب أن
الكاتب في الوقت الذي رد القول بأن من في ( منهم ) بيانية ولا يمكن أن تكون تبعيضية وباستهزاء
وشتائم وأن ذلك يتنافى مع أبسط المعلومات استند إلى ما نقله ابن الجوزي في تفسيره
( زاد المسير ) من قول الزجاج : " في ( من ) قولان الأول أن يكون تخليصا
للجنس من غيره كقوله فاجتنبوا الرجس من
الأوثان ، والثاني أن يكون هذا الوعد لمن أقام منهم على الإيمان والعمل الصالح
" (1) .
والتفسير الثاني المنقول عن الزجاج ليس إلا حملا لكلمة ( من )
على التبعيض ، فيكون المقصود أن الوعد للبعض وهو الذي يستمر على حالته ، وأما من
ينحرف وينقلب على عقبيه فلا وعد له ولن يكون هناك تناقض لأن المدح السابق لحالتهم
الفعلية وعدم الوعد لمن لم يستمر على الحالة السابقة ، واعتقد من الصعب أن تجد مثل هذه الغفلة عند كاتب ، بل الأعجب أن يقول إن
من يذهب إلى هذا الرأي يلزم أن يقول أن القرآن فيه آيات سخيفة .
وبالطبع حتى لو قيل بأن
( من ) بيانية - كما هو الأوفق بالظاهر - فلا يفيد في إثبات شيء ، لأن الحديث
سيكون عن خصوص المؤمنين حقيقة ولا ينفي ذلك وجود منافقين بين أصحاب رسول الله B أو ضعيفي الإيمان ، كما تصرح بذلك
الآيات والصحاح من الأحاديث والأخبار .
فالآية الكريمة أي قوله
تعالى ] مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ …[ (1)تذكر لهم تلك الصفات وتعدهم المغفرة والأجر العظيم ، ولا تعطيهم
ذلك لمجرد المعية المكانية أو الزمانية مع النبي B لأن ذلك يرفضه العقل وترفضه الآيات
والروايات كقوله تعالى : ] وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ
نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَّرَّتَيْنِ [ (2) فالآية صريحة أن هناك من أهل مدينة النبي B ممن مردوا على النفاق ولا يعلمهم أحد
من أهل المدينة ، وقد توعدهم الله عز وجل بالعذاب الأليم .
وما دام القرآن يفسر بعضه بعضا ولا تتناقض بين
آياته فمن الطبيعي إن نحمل آية سورة الفتح ] مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ … [على أن المقصود المؤمنون الحقيقيون فقط دون غيرهم من ضعاف
الإيمان أو المنافقين الذين خفي أمرهم على الناس ، لا أن يقال أن المقصود بهم
الصحابة كلهم ويعرف الصحابي بأنه كل من رأى رسول الله B ولو مرة واحدة .
والحاصل إن اليقين
المستمد من آيات القرآن الكريم بوجود المنافقين والفسقة وضعيفي الإيمان في مجتمع
المدينة كاف لمنع الشمولية المدعاة في الآية لكل الصحابة .