14 –
مخالفة الصحابة للرسول B في الحديبية
حينما أشكل على الاعتقاد بكمال إيمان كل الصحابة وجهادهم بما روي في الصحاح
من أنهم لم يمتثلوا أمر النبي B حين قال B : " قوموا فانحروا ثم
احلقوا… " قال الراوي
فوالله ما قام منهم رجل ، ومن اعتراض عمر على رسول الله B بقوله :
ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ …
" .
قال : أن الرد من ثلاثة أوجه :
أولا : لم يكن تأخر الصحابة عن الحلق والنحر من باب عنادهم لرسول الله B ولكن ودوا لو
غير رسول الله B رأيه ودخل مكة أو أن ينزل وحي من الله خاصة وأن النبي B كان قد وعدهم
أن يدخلوا المسجد الحرام .
نقول : القول بأنهم ودوا لو غيّر رسول الله B رأيه ودخل مكة أو أن ينزل وحي من الله
لا يمكن قبوله مع ورود النصوص بأنه B أمرهم ثلاثا فلم يطيعوا
بل الأمر طال إلى أن ذهب رسول الله B إلى زوجته أم سلمة وشكى
لها حال أصحابه على ما نقله البخاري قال : فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله B لأصحابه : قوموا فانحروا
ثم احلقوا ، قال : فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلما لم يقم
منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس " (1) .
حتى بعد استجابتهم لم يحلق الجميع بل بعضهم قصر
ولم يحلق ، لذا كما نقل البخاري عن ابن عمر أن رسول الله B قال : اللهم ارحم
المحلقين ، قالوا : والمقصرين يا رسول الله ، قال : اللهم ارحم المحلقـين ، قالوا
: والمقصرين يا رسول الله ، قال : والمقصرين ، وقال الليث حدثني نافع رحم الله
المحلقين مرة أو مرتين ، قال : وقال عبيد الله : حدثني نافع وقال في الرابعة
والمقصرين " (1)
، وقد جاء في سنن ابن ماجة التصريح بعلة تأخير رسول الله B الدعاء للمقصرين عن ابن
عباس قال " قيل : يا رسول الله !
لم ظاهرت للمحلقين ثلاثا وللمقصرين واحدة ؟ قال : إنهم لم يشكوا " (2) .
فالمسألة أخطر من العناد إذ هو شك برسول الله B والرسالة ، والصحاح
تتحدث عن أهم هؤلاء المعترضين أي عمر بن الخطاب ومدى الشك الذي داخله بشكل أكثر
تفصيلا فقد روى البخاري " فقال عمر بن الخطاب : فأتيت نبي الله B فقلت : ألست نبي الله
حقا ؟ قال : بلى ، قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى ، قلت :
فلم نعطي الدنية في ديننـا إذا ؟ قال : إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري ، قلت
: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ؟! قال : بلى ، فأخبرتك أنا نأتيه العام ؟
قـال قلت : لا ، قال : فإنك آتيه ومطوف به ، قال : فأتيت أبا بكر فقلت : يا أبـا
بكر أليس هذا نبي الله حقا ؟ قال : بلى ، قلت : ألسنا على الحق وعدونا عـلى الباطل
؟ قال : بلى قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذا ، قال : أيها الرجل إنه لرسول
الله B وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بـغرزه فوالله
إنه على الحق ، قلت : أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطـوف به ؟! قال : بلى
أفأخبرك أنك تأتيه العام ؟ قلت : لا ، قال : فإنك آتيه ومطوف به ، قال الزهري :
قال عمر : فعملت لذلك أعمالا " (1) .
فبعد
هذا يقال أن عمر لم يشك وهو لم يقبل جواب رسول الله B فكرر الأمر على أبي بكر
، بل العجب أن يقال " وخاصة وأن النبي B كان قد وعدهم أن يدخلوا
المسجد الحرام " في حين أن اعتراضات عمر كانت بعد أن بين له رسول الله B أنه لم يقصد هذا العام
بقوله B : " فأخبرتك أنا نأتيه العام ؟ " ،
وكرر أبو بكر الأمر على عمر .
بل أنظر
إلى أي حد بلغ الأمر بعمر فقد نقل البخاري عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله B كان يسير في بعض أسفاره
وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا فسأله عمر بن الخطاب عن شيء فلم يجبه رسول الله B ، ثم سأله فلم يجبه ثم
سأله فلم يجبه ، فقال عمر بن الخطاب : ثكلت أم عمر نزرت رسول الله B ثلاث مرات كل ذلك لا
يجيبك ، قال عمر : فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن فما
نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي ، فقلت : لقد خشيت أن ينزل فيّ قرآن فجئت رسول الله B فسلمت عليه فقال : لقد
أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ، ثم قرأ ] إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا [ (2) .
والعجب بعد هذا كله يذكر البخاري في كتاب
الجزية باب إثم من عاهد ثم غدر "
فقرأها رسول الله B على عـمر إلى آخرها ، فقال عمر : يا رسول الله
أو فتح هو ؟! قال : نعم " ، يعني بعد هذا كله بقي
شاكا ويقول : " أو فتح هو ؟! " (1) .
بل شك عمر يعترف به عمر نفسه كما في رواية ابن
حبان في صحيحه حيث نقل قول عمر : "والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ " (2) .
بل شك صحابة آخرين تصرح
به روايات كتب التاريخ فقد روى كل من الطبري في تاريخه (3) وابن هشام في ( السيرة ) (4) وابن الأثير في ( الكامل ) (5) وابن كثير في تاريخه (6) : " وقد كان أصحاب رسول الله
B خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا
رآها رسول الله B فلما رأوا ما رأوا من
الصلح والرجوع وما تحمل عليه رسول الله في نفسه دخل الناس من ذلك أمر عظيم حتى
كادوا يهلكون … وجعل أبو جندل - ممن أسلم ولحق بالنبي بعد إبرام الصلح وطالبت به
قريش وفق معاهدة - يصرخ بأعلى صوته : يا معشر المسلمين أرد إلى المشركين يفتنوني
في ديني ، فزاد ذلك الناس إلى ما بهم … " .
وروى البخاري أن المسلمين قالوا :
سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما ؟ (7) .
قال وثانيا : في الصلح
نفسه أمر النبي B علي
بن أبي طالب أن يمحو اسمه فرفض علي ذلك ولم يجعل أهل السنة هذا الأمر مطعنا في علي
" .
نقول : عجبا من هذا العمى ! نذكر له مواقف
من شك برسول الله B ونبوته وأجابه رسول الله B فلم يقتنع وعاد وكرر على
أبي بكر ، ولم يقتنع بالرد ، فيعترض علينا بموقف لعلي d يعبر عن تنمره في الإيمان بنبوة الرسول الله B إذ يرفض أن يمحو وصف
النبوة عن اسم رسول الله B ، وهذا بناء على ما روته
مصادر السنة فقد روى البخاري كتاب الجزية باب المصالحة على ثلاثة أيام : "
فأخذ يكتب الشرط بينهم علي بن أبي طالب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله
فقـالوا : لو علمنا أنك رسول الله لم نمنعك ولبايعناك ولكن اكتب هذا ما قاضى عليه
محمد بن عبد الله فقال : أنا والله محمد بن عبد الله وأنا والله رسـول الله قال :
وكان لا يكتب قال فقال : لعلي امح رسول الله فقال علي : والله لا أمـحاه أبدا قال
فأرنيه قال فأراه إياه فمحاه النبي B بيده " (1) .
عجبا
ممن يريد أن يبرر لعمر في حين عمر نفسه يقر بفساد ما قام به بل عظم الجرم بحيث
ينقل عنه ابن كثير والطبري : " وكان عمر ( رض ) يقول مازلت أصوم وأتصدق وأصلي
وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمته يومئذ حتى رجوت أن يكون خيرا
" (2) .
والإمام
الصالحي في كتابه ( سبل الهدى والرشاد ) يقول في التنبيه التاسع والعشرين : "
امتناع علي k من محو لفظ رسول الله B من باب الأدب المستحب
لأنه لم يفهم من النبي B تحتيم محو علي بنفسه
ولهذا لم ينكر عليه ولو تحتم محوه بنفسه لم يجز لعلي تركه ولما أقره النبي B على المخالفة " (3) .
وقريب
من ذلك ما قاله ابن حجر في شرح الحديث في ( فتح الباري ) : " ثم قال لعلي :
امح رسول الله أي امح هذه الكلمة المكتوبة من الكتاب فقال : لا والله لا أمحوك أبدا
، وللنسائي من طريق علقمة بن قيس عن علي قال : كنت كاتب النبي B يوم الحديبية فكتبت هذا
ما صالح عليه محمد رسول الله ، فقال سهيل : لو علمنا أنه رسول الله ما قاتلناه ،
امحها فقلت : هو والله رسول الله B وإن رغم انفك ، لا والله
لا امحوها ، وكأن عليا فهم أن أمره له بذلك ليس متحتما فلذلك امتنع من امتثاله
ووقع في رواية يوسف بعد فقال لعلي : امح رسول الله فقال : لا والله لا أمحاه أبدا
قال : فأرنيه ، فأراه إياه فمحا النبي B بيده ، ونحوه في رواية
زكريا عند مسلم وفي حديث علي عند النسائي وزاد "وقال : أما أن لك مثلها
وستأتيها وأنت مضطر يشير B إلى ما وقع لعلي يوم
الحكمين فكان كذلك " (1) ، انتهى .
وأما وفق روايات الشيعة فليس الأمر كما نقل في
روايات أهل السنة فعبارة علي d المذكورة في بحار الأنوار نقلا عن أعلام الورى هي : " يا
رسول الله إن يدي لا تنطلق بمحو اسمك من النبوة " (2) .
أما
عبارة " ما أنا بالذي أمحاه ، فمحاه رسول الله B بيده "، والتي
نسبها القائل للمجلسي في ( بحار الأنوار ) فقد نقلها المجلسي عن ( جامع الأصول ) ،
إذ قال في أولها وروى ابن الأثير في ( جامع الأصول ) عن البخاري ومسلم بسنديهما عن
البراء بن عازب (3) ، وعليه من الواضح أن الرواية ليست من روايات
الشيعة كما حاول القائل أن يوهم .
قال وثالثا : " لم حلق الصحابة ونحروا بعد أن رأوا رسول
الله نحر وحلق وبدون كلام منه ؟ ثم نقول بأن عليا لم يحلق ولم ينحر كباقي الصحابة
فهل تعيبونه بهذا ؟ "
نقول : عجيب هذا
القول ( وبدون كلام منه ) - أي من النبي B - فأي معنى لأن يقال
أنهم فعلوا بدون كلام منه بعد أن أمرهم ثلاث مرات فامتنعوا وأشتكى الأمر لزوجته ،
كما نقلنا النصوص عن البخاري فأي قيمة لفعلهم بعد ذلك بدون كلام منه ، بل من يقول
أنهم فعلوا ما أراد رسول الله B فهو أراد الحلق ولذا
ترحم على المحلقين دون المقصرين منهم وأخرهم إلى الرابعة .
وأما قوله بأن عليا لم
يحلق ولم ينحر كباقي الصحابة فهل تعيبونه بذلك ؟
فنقول : كيف يدعى
أن عليا d لم يحلق ولم ينحر ، إن عليا d هو نفس رسول الله B كما نص القرآن الكريم
على ذلك ] وَأَنْفُسَنَا
وَأَنْفُسَكُمْ [ (1) ، أي هو نفس الآمر وهل الآمر يعصي الأمر الذي صدر منه ، وهل تريدنا
أن نصدق بأن عليا لم يستجب للأمر لمجرد
وجود عبارة " فوالله ما قام منهم رجل " في مصادركم .
والترمذي
روى حديثا صدر عن رسول الله B يوم الحديبية يبين صلابة
علي d في الدين عن ربعي بن حراش قال : حدثنا علي بن
أبي طالب بالرحبة قال : " لما كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين
فيهم سهيل بن عمرو وأناس من رؤساء المشركين فقالوا : يا رسول الله خرج إليك ناس من
أبنائنا وإخواننا وأرقائنا وليس لهم فقه في الدين وإنما خرجوا فرارا من أموالنا
وضياعنا فارددهم إلينا ، قال : فإن لم يكن لهم فقه في الدين سنفقههم ، فقال النبي B : يا معشر قريش لتنتهن
أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين قد امتحن الله قلبه على
الإيمان قالوا : من هـو يا رسول الله ؟ فقال له أبو بكر : من هو يا رسول الله ؟
وقال عمر : من هو يا رسول الله ؟ قال هو خاصف النعل ، وكان أعطى عليا نعله يخصفها
، ثم التفت إلينا علي فقال إن رسول الله B قال : من كذب علي متعمدا
فليتبوأ مقعده من النار " (1) .
قال أبو
عيسى : هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ربعي عن علي ، وسمعت الجارود
يقول : سمعت وكيعا يقول : لم يكذب ربعي بن حراش في الإسلام كذبة ، وأخبرني محمد بن
إسماعيل عن عبد الله بن أبي الأسود قال : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : منصور بن
المعتمر أثبت أهل الكوفة .
فإذا وصف النبي B إرسال علي d إلى المشركين بأنه بعث من الله تعالى ، ثم
اتبعه بوصف " يضرب رقابكم بالسيف على الدين ، قد امتحن الله قلبه للإيمان
" ، فبعد هذا يمكن أن يكون علي d ممن خالف أمر النبي B بالنحر و الحلق وفي نفس
اليوم .
(1) صحيح البخاري - ج3 ص257 كتاب
الشروط باب الشروط في الجهاد
(1) صحيح البخاري - ج2 ص213 كتاب
الحج باب الحلق والتقصير
(2) سنن ابن ماجة - ج2 ص1012 كتاب
المناسك باب الحلق
(1) صحيح البخاري - ج3 ص256 كتاب
الشروط بـاب الشروط في الجهاد
(2) نفس المصدر السابق - ج 6 ص168
(1) صحيح البخاري - ج4 ص126 (4) سيرة ابن هشام - ج3 ص264
(2) صحيح ابن حبان - ج5 ص136 (5) الكامل في التاريخ - ج2
ص85
(3) تاريخ الطبري - ج2 ص281 (6) البداية والنهاية - ج4 ص191
(7) صحيح البخاري - ج3 ص256 كتاب
الشروط باب الشروط في الجهاد
(1) صحيح البخاري - ج4 ص126
(2) البداية والنهاية - ج4 ص192 ،
تاريخ الطبري - ج2 ص280
(3) سبل الهدى والرشاد - ج5 ص77
(1) فتح الباري - ج7 ص503
(2) بحار الأنوار - ج20 ص362
(3) نفس المصدر السابق - ج38 ص328
(1) آل عمران : 61
(1) سنن الترمذي - ج5 ص634 كتاب المناقب باب مناقب علي بن أبي طالب
( رض )