11 حياة الخضر

 

  قيل : " إن من يقول بحياة الخضر هم الصوفية ومن تأثر بهم ، وأما أهل السنة والجماعة فلا يقولون بحياة الخضر " .

 

نقول : قال ابن حجر في ( الإصابة ) :

" الخضر صاحب موسى  dاختلف في نسبه وفي كونه نبيا وفي طول عمره وبقاء حياته وعلى تقدير بقائه إلى زمن النبي B وحياته بعده فهو داخل في تعريف الصحابي على أحد الأقوال ولم أر من ذكره فيهم من القدماء مع ذهاب الأكثر إلى الأخذ بما ورد من أخباره في تعميره وبقائه وقد جمعت أخباره وما انتهى إلى علمه مع بيان ما يصح من ذلك وما لا يصح " (1) .

 وقال ابن كثير في تاريخه :

" وأما الخلاف في وجوده إلى زماننا هذا فالجمهور على أنه باق إلى اليوم قيل لأنه دفن آدم بعد خروجهم من الطوفان فنالته دعوة أبيه آدم بطول الحياة وقيل لأنه شرب من عين الحياة فحيى " (2) .

  فمن أين الجزم بأن أهل السنة يذهبون إلى نفي وجوده وأنه من قول الصوفية فقط مع تصريح ابن حجر بذهاب الأكثر إلى الأخذ بما ورد من أخباره في التعمير وقول ابن كثير : " فالجمهور على أنه باق إلى اليوم" ؟ أم تريد أن تقول أن أكثر علماء السنة وجمهورهم من الصوفية !!

  وقد أطال كل من ابن حجر وابن كثير البحث حول ذلك فليراجع .

  بل روى مسلم في صحيحه في كتاب الفتن باب في صفة الدجال ما يدل على وجوده وبقاءه حيا إلى زمن الدجال فقد روى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا سعيد الخدري قال : حدثنا رسول الله B يوما حديثا طويلا عن الدجال ، فكان فيما حدثنا قال : " يأتي وهو محّرم عليه أن يدخل نقاب المدينة ، فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقول له : أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله B حديثه فيقول الدجال : أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا ، قال : فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه : والله ! ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن ، قال : فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه " ، قال أبو إسحاق هذا الرجل هو الخضر عليه السلام (1) .

  قال النووي في شرحه لصحيح مسلم في حاشية الصفحة المذكورة : " ( قال أبو إسحاق ) أبو إسحاق هذا هو إبراهيم بن سفيان ، راوي الكتاب عن مسلم ، وكذا قال معمر في جامعه في إثر هذا الحديث كما ذكره ابن سفيان ، وهذا تصريح منه بحياة الخضر  dوهو الصحيح " .

  وأورده ابن حبان في صحيحه مع اختلاف في الألفاظ ، وأضاف بعدها ابن حبان قوله : قال معمر : يرون أن الرجل الذي يقتله الدجال ثم يحييه الخضر ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : حديث صحيح (2) .

   فبناءا على الرواية يكون الخضر حيا حتى فتنة الدجال .

  وروى الحاكم في ( المستدرك ) عن أنس بن مالك قال : " لما قبض رسول الله B أحدق به أصحابه فبكوا حوله واجتمعوا فدخل رجل أصهب اللحية جسيم صبيح فتخطا رقابهم فبكى ثم التفت إلى أصحاب رسول الله B فقال : إن في الله عزاء من كل مصيبة وعوضا من كل فائت وخلفا من كل هالك فإلى الله فأنيبوا وإليه فارغبوا ونظرة إليكم في البلاء فانظروا فإنما المصاب من لم يجبر ، وانصرف فقال بعضهم لبعض تعرفون الرجل فقال : أبو بكر وعلي نعم هذا أخو رسول الله B الخضر عليه السلام " (1) .

  فالخضر وفق هذه الرواية كان حيا بعد وفاة رسول الله B .

  ونقل ابن حجر الهيثمي في ( الصواعق المحرقة ) : " أخرج أبو نعيم بسند صحيح عن رياح بن عبيدة : خرج عمر بن عبد العزيز إلى الصلاة وشيخ يتوكأ على يده فقلت في نفسي : إن هذا الشيخ جاف ، فلما صلى ودخل لحقته فقلت : أصلح الله الأمير من الشيخ الذي كان يتكئ على يدك ؟ قال : يا رباح رأيته ، قلت : نعم ، قال : ما أحسبك إلا رجلا صالحا ذاك أخي الخضر أتاني فأعلمني أني سألي أمر هذه الأمة وأني سأعدل فيها فرحمه الله ورضي عنه " .

وقد روى القصة أبو نعيم في ( الحلية ) (2) .

  قال محقق كتاب ( الصواعق المحرقة ) طبعة دار الكتب العلمية في الحاشية : " ذكر النووي في تهذيب الأسماء أن أكثر العلماء أجمعوا على أن الخضر حي موجود بين أظهرنا … وأن ابن الصلاح أفتى بأنه حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم … واجتماع الخضر بعمر بن عبد العزيز ذكره ابن حجر العسقلاني في       ( الإصابة ) ، وقال في الرواية التي أخرجها أبو نعيم في الحلية في ترجمة عمر بن عبد العزيز أنه أخرجها أيضا أبو عروبة الحراني في تاريخه ويعقوب بن سفيان بسند قال فيه ابن حجر : هذا أصلح إسناد وقفت عليه في هذا الباب ، وذكر أن الحافظ العراقي رجع عن القول بعدم حياته وأنه أدرك من كان يجتمع به ومنهم علم الدين البساطي المالكي قاضي المالكية زمن الظاهر برقوق وللحافظ رسالة تسمى بالروض النضر بأنباء الخضر يميل فيها إلى القول بحياته " (1) .

 

      

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



(1) الإصابة - ج1 ص114

(2) البداية والنهاية - ج1 ص383

(1) صحيح مسلم - ج4 ص2256

(2) صحيح ابن حبان - ج 6 ص221

(1) المستدرك على الصحيحين - ج3 ص58

(2) الصواعق المحرقة - ج2 ص644 ، حلية الأولياء - ج5 ص254

(1) الصواعق المحرقة - طبعة دار الكتب العلمية - ص338 الحاشية